من الحقائق القرآنية الثابتة أنَّ آزرَ هو والدُ إبراهيمَ عليهِ السلام، وأنَّه كان كافرًا مشركًا كما نصّ على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سورة الأنعام: 74] فهذه الآيةُ الكريمةُ صريحةٌ لا تحتملُ تأويلاً في أنَّ آزرَ هو الأبُ الحقيقيّ للنبيّ إبراهيم عليه السلام، وأنّه كان من عبدة الأصنام، بل قد ثبُت كفرُه أيضًا في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [سورة التوبة: 114] ومع وضوح هذه النصوص، جاءت فرقةُ الشيعةِ الضالّة لتدّعي أنَّ آزرَ لم يكن والدَ إبراهيم، بل عمَّه، وأنّ أباه مؤمن! وهذه الدعوى الباطلة تُخالفُ النصَّ القرآنيَّ الصريحَ، كما تُناقِضُ رواياتِهم التي تُثبت أنَّ آزرَ كان بالفعل والدَ إبراهيم.

نصّ الرواية من "الكافي":

جاء في الكافي - جزء 8 - ص 367 (المجلسي: حسن):

558 - - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبصير، عن أبي عبدالله (ع): أن آزر أبا إبراهيم (ع) كان منجما لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فاصبح وهو يقول لنمرود: لقد رأيت عجبا، قال: وما هو؟ قال: رأيت مولودا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به، قال: فتعجب من ذلك وقال: هل حملت به النساء؟ قال: لا، قال: فحجب النساء عن الرجال فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم (صلى الله عليه وآله) فظن أنه صاحبه فأرسل إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شيء إلا علمن به فنظرن فألزم الله عزوجل ما في الرحم [إلى] الظهر فقلن: ما نرى في بطنها شيئا وكان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار ولم يؤت علم أن الله تعالى سينجيه، قال: فلما وضعت أم إبراهيم أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله، فقالت له امرأته لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله ولا تكون أنت الذي تقتل ابنك، فقال لها: فامضي به، قال: فذهبت به إلى غار ثم أرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه، قال: فجعل الله عزوجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشخب لبنها وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث. ثم إن أمه قالت لأبيه: لو أذنت لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي فعلت، قال: فافعلي، فذهبت فإذا هي بإبراهيم (ع) وإذا عيناه تزهران كأنها سراجان، قال: فأخذته فضمته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه، فسألها آزر عنه، فقالت قد واريته في التراب، فمكثت تفعل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم (ع) فتضمه إليها وترضعه، ثم تنصرف، فلما تحرك أتته كما كانت تأتيه فصنعت به كما كانت تصنع فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: مالك؟ فقال لها: اذهبي بي معك، فقالت له: حتى أستأمر أباك، قال: فأتت أم إبراهيم (ع) آزر فأعلمته القصة، فقال لها: إيتيني به فأقعديه على الطريق فإذا مر به إخوته دخل معهم ولا يعرف، قال: وكان إخوة إبراهيم (ع) يعملون الأصنام ويذهبون بها إلى الأسواق ويبيعونها، قال: فذهبت إليه فجاءت به حتى أقعدته على الطريق ومر إخوته فدخل معهم، فلما رآه أبوه وقعت عليه المحبة منه فمكث ما شاء الله، قال: فبينما إخوته يعملون يوما من الأيام الأصنام إذا أخذ إبراهيم (ع) القدوم وأخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط مثله، فقال آزر لأمه: إني لأرجو أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيم القدوم فكسر الصنم الذي عمله ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا، فقال له: أي شيء عملت؟ فقال له إبراهيم (ع): وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيم (ع): ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ؟ فقال آزر لأمه: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه.

لرواية واضحة لا تحتاج إلى تأويل:

أن آزر أبا إبراهيم.

ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم.

فلما وضعت أم إبراهيم أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله.

المناقشة والردّ على الشبهة:

هذه الرواية من كتب الشيعة أنفسهم تنسف دعواهم من أصلها، إذ نصّت بوضوح على أن آزر هو "أبو إبراهيم"، وأنّه هو الذي واقع أمّ إبراهيم، وأنّ إبراهيم وُلِد منه مباشرة. فكيف يزعمون بعد ذلك أنّ آزر لم يكن والده؟!

بل الأغرب أنّهم جعلوا في قصصهم خرافاتٍ أشبه بالأساطير، كقولهم إنّ إبراهيم عليه السلام كان يرضع من إصبعه ويشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في السنة! وهذه خرافةٌ لا يصدّقها عقل ولا نقل.

أمّا القرآن الكريم فقد حسم المسألة دون لبسٍ في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام: 74] ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ [التوبة: 114]

فقد بيّن القرآن أن إبراهيمَ دعا أباه آزرَ بالهداية ثم تبرّأ منه بعد موته على الكفر، وهذا نصٌّ صريحٌ لا يقبل التأويل ولا التحريف.

قال الإمام الطبري:

"وأبوه الذي ولده هو آزر، لا شكّ في ذلك، لأنّ الله تعالى سماه أباه." (تفسير الطبري 11/242)

وقال ابن كثير:

"الصواب أن آزر والد إبراهيم، كما قال الله تعالى نصًّا، ولا يصحّ ما زعمه بعض الناس أنه عمه."
(تفسير ابن كثير 3/325)

الخاتمة:

يتّضح من خلال النصوص القرآنية، والأحاديث الصحيحة، بل ومن روايات الشيعة أنفسهم، أنّ آزر هو والد إبراهيم عليه السلام، وأنّه كان كافرًا مشركًا، وأنّ كلّ ما تزعمه الفرقة الشيعية الضالّة من تأويلات لتبرئة آزر أو جعله عمًّا هو محض افتراءٍ ومخالفةٍ للقرآن الكريم. لقد بيّن الله الحقيقة في كتابه، ومن حاد عنها فقد خالف الوحي واتّبع الهوى.

المصادر:

1)              القرآن الكريم

2)              صحيح البخاري كتاب الأنبياء، حديث رقم (6298).

3)              صحيح مسلم كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام.

4)              تفسير الطبري (11/242).

5)              تفسير ابن كثير (3/325).

6)              الكافي الجزء 8 – ص 367 – المجلسي: حسن.

7)              بحار الأنوار المجلسي – ج 12 ص 10.

8)              التبيان في تفسير القرآن الطوسي – ج 1 ص 445-446.

9)              مستدرك الوسائل النوري الطبرسي – ج 1 ص 413.