من المسائل التي أثارت جدلًا بين العلماء والفرق المنحرفة كفرقة الشيعة الإمامية: قضية آزر والد إبراهيم عليه السلام، وهل هو والده الحقيقي أم عمّه؟
حاولت هذه الفرقة – كما هي عادتها – أن تُحرّف النصوص القرآنية والحديثية؛ لتُثبت دعوى العصمة والطهارة في سلسلة نسب الأنبياء، وتُسند بذلك أن النبي ﷺ انتقل من أصلاب طاهرة لم تعرف كفرًا. لكنّ القرآن الكريم صريح في نسبة إبراهيم عليه السلام إلى أبيه الكافر آزر، وبيان تبرّئه منه بعد أن تبيّن له عداوته لله.
في هذا المقال نستعرض بالدليل النصي والعقلي واللغوي بطلان زعم الشيعة، ونُثبت من القرآن والسنة وأقوال أهل العلم أن آزر هو الأب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام، وأن ما خالف ذلك إنما هو تحريف متكلَّف لا دليل عليه.
هذا قولٌ متداوَلٌ وليس حديثًا. يتداوله الشيعة وإخوانهم الصوفية، مستدلين بقوله تعالى:
﴿ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ • وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ﴾ (سورة الشعراء: 218–219)
ويصطلحون له معنًى باطلًا، وهو: أن النبي ﷺ لا يزال يتقلّب في الأصلاب الطاهرة. وبنَوا على هذا القول إيمان أبويه، ولما كان القرآن ظاهرًا في بطلان ما زعموا، كقوله تعالى عن إبراهيم: ﴿يَآ أَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ﴾ (سورة مريم: 44)
قالوا إن الله أراد عَمَّه وليس أباه! وهو تحريف ظاهر، لما يلي:
أولًا: أن علماء أهل السنّة قد صرّحوا بأن آزر هو الأب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام.
قال الشافعي ضمن باب المواريث:
«أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِل يَٰبُنَيَّ﴾ (سورة هود: 42)
وقال عزّ وجلّ: ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ﴾ (سورة الأنعام: 74) فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر، ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر» (كتاب الأم، 4/81).
ثانيًا: أن الله تعالى قال: ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآء مِّمَّا تَعۡبُدُونَ﴾ (سورة الزخرف: 26)
وعمُّه داخل في قومه، فلا يصح حصر اللفظ في العم فقط.
ثالثًا: أن الله تعالى قال: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَد مِّن رِّجَالِكُمۡ﴾ (سورة الأحزاب: 40)
مع أن النبي ﷺ هو عَمُّ سلمة وعمر أبناء أبي سلمة من الرضاعة، ولأن أبا سلمة أخو النبي ﷺ من الرضاعة؛ لقول النبي: «أرضعتني وأبا سلمة ثويبة» (رواه البخاري، حديث رقم: 5101)
وأن النبي ﷺ رفض أن يتزوج بنت أبي سلمة لأنها ربيبته، وبنت أخيه من الرضاع. فمن أراد أن يحتج بالحديث الصحيح: «أما علمت أن عم الرجل صِنْو أبيه»
فليُفسّر لنا معنى (صِنْو)؟ هل معناها: (نَفْس)؟
فالجواب:
جاء في لسان العرب في مادة (صِنْو): الأخ الشقيق، والعم، والابن، والجمع: أصْناء وصِنْوان، والأنثى: صِنْوة (بكسر الصاد). وفي حديث النبي ﷺ: «عَمُّ الرجل صِنْو أبيه» قال أبو عبيدة: "معناه أن أصلهما واحد".
فلو كان العَمُّ هو الأب، لما قال الله تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَد مِّن رِّجَالِكُمۡ﴾،
وهو عمٌّ لرجلَين من الرضاعة، وقد ثبت أن ما يَحرُم من الرضاع، يَحرُم من النسب.
رابعًا: أن الأصل في إطلاق لفظ "الأب" هو الأب المباشر، كما لو قال قائل: "إن الأب يرث ابنه"، وأراد بذلك عمَّه دون أبيه، لكان متلاعِبًا بالميراث.
مما يؤكد أن الأصل في اللفظ: إرادة الأب، إلا أن يَقرُن السياق ما يصرف عن هذا الأصل.
فمن زَعَم أن الآية متعلقة بالعم دون الأب، من غير قرينة، فهو محرِّفٌ لكتاب الله.
خامسًا: أنه يلزم من قولهم هذا، أن نقول إن أبا لهب وأبا جهل أبو رسول الله ﷺ!
وهذا باطل، بلا خلاف.
سادسًا: أن المعنى الصحيح للآية: ﴿ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ • وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ﴾ قد ورد عن السلف الصالح.
قال قتادة: "يَراك وحدك، ويَراك في الجمع" يعني في المصلين. وهو قول عكرمة وعطاء الخراساني والحسن البصري.
والمعنى: أنه يراك على كل حالاتك (انظر: الدر المنثور، 6/330)
وتصرُّفك في أحوالك، كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون. (انظر: تفسير الطبري، 19/124)
وليس كما يفهمه الآخرون، من معنى انتقاله ﷺ من أصلاب الساجدين، فكيف يسوغ ذلك، ويرتبط بقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِي يَرَىٰكَ﴾؟! وقد استنبط أهل العلم من هذه الآية، أنها إشارة إلى أهمية صلاة الجماعة.
تنبيه حول رواية "يتقلب في أصلاب الأنبياء":
عن عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن ابن عباس: "تقلُّبُه من صُلب نبي إلى صُلب نبي حتى أخرجه نبيًّا"
رواه البزار في (المسند: 2242) والطبراني في (المعجم الكبير: 12021)، من طريق عِكرمة عن ابن عباس. ورجاله ثقات، غير أن في السند شبيب بن بشر، فيه لين. (انظر: الجرح والتعديل، 4/357)
ومع تساهل ابن حبان في التوثيق، فإنه لما وثقه قال عنه: «يُخطئ كثيرًا» (تهذيب التهذيب، 4/269) وفيه أيضًا محمد بن جعفر بن محمد بن علي. قال البخاري: «أخوه إسحاق أوثق منه» (التاريخ الكبير، 1/57)
|
مختارات من مقالات السقيفة |
|
شبهة آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته؟ الشيعة تكفر آل البيت خارج الأئمة الاثني عشر |
خامسًا: ضعف رواية "يتقلب في أصلاب الأنبياء"
وأخرجه الحافظ ابن عساكر فقال:
«أخبرنا أبو محمد بن طاوس، أخبرنا عاصم بن الحسن، أنبأنا ابن مهدي، أنبأنا الحسن بن يحيى بن عياش القطان، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أيوب المخزومي، أنبأنا الحسن بن بشر، أنبأنا سعدان بن الوليد بياع السابري، عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ﴾ قال: "ما زال رسول الله ﷺ يتقلّب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه ﷺ"» (تاريخ دمشق، 3/402)
وعند ابن أبي حاتم بلفظ آخر: "ما زال النبي يتقلّب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه"
وإسناده ضعيف؛ لأن فيه:
◘ سعدان بن الوليد البجلي، قال الهيثمي: "لم أعرفه". (مجمع الزوائد، 5/206 و6/176 و9/257)
◘ وقد تفرد به عن عطاء بن أبي رباح. قال الحافظ ابن حجر نقلًا عن الحاكم: "كوفيّ، قليل الحديث" (التلخيص الحبير، 3/8)
ويلزم من هذا الفهم الخاطئ المبني على الحديث الضعيف: أن آباء النبي ﷺ كلهم أنبياء، كما يلزم منه نبوّة أبيه!
سادسًا: صريح الأحاديث في كفر والديه
ولا داعي لهذا التحريف الذي لم يستفيدوا منه شيئًا، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «استأذنتُ ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي» (رواه مسلم، حديث رقم: 976)
وقوله لرجل: «إن أبي وأباك في النار» (رواه مسلم، حديث رقم: 203)
فهكذا يبطل صريح هذين الحديثين كل شبهة تمسّك بها هؤلاء.
ردٌّ على السيوطي:
وعجبًا من الإمام السيوطي، الذي شكّك في صحة هذا الحديث، بينما صحّح الحديث الموضوع فيما خالفه!
قال السيوطي: «فإن قلتَ: بقيت عقدة واحدة، وهي ما رواه مسلم عن أنس: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفّى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار.
وحديث مسلم وأبي داود عن أبي هريرة: أنه ﷺ استأذن في الاستغفار لأمه فلم يُؤذَن له.
فاحللْ هذه العقدة.
◘ قلتُ: على الرأس والعين.
الجواب:
أن هذه اللفظة، وهي قوله: (إن أبي وأباك في النار)، لم يتفق على ذكرها الرواة، وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، وهي الطريق التي رواه مسلم منها.
وقد خالفه مَعْمَر عن ثابت، فلم يذكر: "إن أبي وأباك في النار"، ولكن قال له: «إذا مررتَ بقبر كافر، فبشّره بالنار»».
ثم أضاف السيوطي:
«وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده ﷺ ألبتة، وهو أثبت من حيث الرواية، فإن معمرًا أثبت من حماد، فإن حمادًا تكلّم في حفظه، ووقع في أحاديثه مناكير، ذَكروا أن ربيبه دسّها في كتبه، وكان حماد لا يحفظ، فحدّث بها فوهِم فيها.
ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئًا، ولا أخرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت.
قال الحاكم في (المدخل): «ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت».
وقد خرج له في الشواهد عن طائفة. وأما معمر فلم يُتكلم في حفظه، ولا استُنكر شيء من حديثه، واتفق على التخريج له الشيخان، فكان لفظه أثبت». (رسالة: مسالك الحنفا في والدي المصطفى، ضمن كتاب الحاوي للفتاوي، 2/226)
سابعًا: مناقشة خطأ السيوطي في تضعيف الحديث
الرد العلمي على السيوطي:
والجواب: إن دعواه أن معمرًا أثبت من حماد بن سلمة في روايته عن ثابت البُناني، دعوى باطلة من أصلها.
فإن المبتدئ في علم الحديث يعرف أن حماد بن سلمة هو أثبت الناس في ثابت البُناني،
فكيف بالسيوطي الذي ألّف:
◘ كتاب تدريب الراوي
◘ وكتاب ألفية الحديث
أوقد نَسِيَ السيوطي ما نقله هو بنفسه عن يحيى بن معين؟ أنه قال: «من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد» (طبقات الحفاظ، 1/16)
وهو القول المعتمد أيضًا في:
◘ تهذيب التهذيب، 3/11
◘ تاريخ ابن معين (الدوري)، 2/207
◘ شرح علل الترمذي، 1/167
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة وأحمد بن زهير عن يحيى بن معين: «أثبت الناس في ثابت: حماد بن سلمة» (التعديل والتجريح، 2/523)
وقال الإمام أحمد بن حنبل:
«حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر» (تهذيب التهذيب، 3/11؛ موسوعة أقوال الإمام أحمد، 2/212؛ تهذيب الكمال، 7/259)
وقال الإمام علي بن المديني:
«لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد» (تهذيب التهذيب، 3/12؛ تهذيب الكمال، 7/263)
بل قال يحيى بن معين عن معمر عن ثابت: «ضعيف» (تاريخ الإسلام، 9/627)
وقال أيضًا: «وحديث معمر عن ثابت، وعن عاصم بن أبي النجود، وعن هشام بن عروة، وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام» (تهذيب التهذيب، 10/219؛ تهذيب الكمال، 28/312)
وقال الإمام العقيلي:
«وأصح الناس حديثًا عن ثابت: حماد بن سلمة. وأنكرهم عن ثابت: معمر» (الضعفاء الكبير، للعقيلي، 2/291)
السيوطي يُضعّف الصحيح ويُصحّح الموضوع!
ولهذا لا عجب أن السيوطي يضعّف الحديث الذي في الصحيحين (البخاري ومسلم)،
ويُصحّح الحديث الموضوع!
فقد انتقده الغماري، حيث قال: «يورد - أي السيوطي - الحديث الموضوع، الذي في نَفْس متنه ما يدل دلالة واضحة على وضعه... كما فعل في حديث جابر: «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»».
|
مختارات من مقالات السقيفة |
|
الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة |
ثامنًا: أقوال العلماء في كفر والدي النبي ﷺ
بل وصفه الشيخ ملا علي القاري بقوله:
«حاطب ليل وخاطب وَيل! فتارة يقول: إنهما مؤمنان من أصلهما، فإنهما من أهل الفترة، وأخرى يقول: إنهما كانا كافرين لكن أحياهما الله فآمنا، ومرة يقول: ما كانا مؤمنين وما كانا كافرين، بل كانا في مرتبة المجانين الجاهلين، فيُمتَحنان يوم القيامة، وبالظن يُحكم أنهما ناجيان» (أدلة معتقد أبي حنيفة، ص: 133)
خاتمة:
ثم إن في كتاب ربنا ما يُخالف من زَعَم أن الله أحيا أبوي النبي ﷺ من أجل أن يُسلِما ثم يموتا، فهذا القول:
♦ مخالف للقرآن
♦ مبني على أحاديث ضعيفة
♦ تصادم صريح الأحاديث الصحيحة في الصحيحين
♦ لا فائدة منه شرعًا، ولا يصح سندًا، ولا يستقيم عقلًا
♦ قال تعالى: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (سورة البقرة: 217)
♦ وقال تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (سورة النساء: 18)
♦ قال العلامة الحنفي ملا علي القاري تعليقًا على قول أبي حنيفة: «وَوَالِدا رسول الله ﷺ ماتا على الكفر» (الفقه الأكبر، ص130، ط: دهلي 1314).
♦ قال القاري: «هذا رد على من قال: إنهما ماتا على الإيمان، أو ماتا على الكفر ثم أحياهما الله تعالى فماتا في مقام الإيقان. وقد أفردت لهذه المسألة رسالة مستقلة.» (أدلة معتقد أبي حنيفة، ص40)
واحتج في رسالته هذه بعبارة أبي حنيفة قائلاً:
«ثم هذه المسألة لو لم تكن في الجملة من المسائل الاعتقادية لما ذكرها الإمام المعظم المعتبر في ختم فقهه الأكبر.» (أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام، ص141، ط: مكتبة الغرباء الأثرية)
وذكر ابن حزم أن من أهل بيته ﷺ من بني هاشم من لا تناله الشفاعة «لأنه يخلد في النار كأبويه عليه السلام». (الدّرّة فيما يجب اعتقاده، ص298)
بل قد سرد البيهقي جملة من الأحاديث تدل على أن أبوي النبي ﷺ ماتا على الكفر، ثم قال: «وكيف لا يكون أبواه وجدّه بهذه الصفة في الآخرة، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم» (دلائل النبوة، 1/192).
وقال في السنن الكبرى:
«وأبواه كانا مشركين» (السنن الكبرى، 7/190)، واحتج البيهقي بحديث «إن أبي وأباك في النار».
فتوى الشيخ عطية صقر (من علماء الأزهر) حول ما يُقال:
سُئِل: «هل آزر هو أب إبراهيم عليه السلام أم عمه؟ وكيف يكون كافرًا، ونسب النبي ﷺ كله طاهرٌ لقوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾؟»
أجاب:
نصَّ القرآن الكريم على أن أبَ سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (سورة الأنعام: 74)
ونصّ على أنه مات كافرًا، على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ (سورة التوبة: 114)
وقيل: إن آزر عمُّ إبراهيم وليس والده، والعم يُطلق عليه "أب" كما في قوله تعالى عن يعقوب: ﴿وَإِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَفَكَ وَإِلَـٰهَـءَ آبَائِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ (سورة البقرة: 133) مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب، بل عمه.
والذي حمّل هؤلاء على القول بأن آزر عمٌّ لا أب، هو:
شريف مقام النبوة، أن يكون أحد آباء الأنبياء كافرًا، مستندين إلى قول الله: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾، وقول الرسول ﷺ: «لم أزل أنقلّب من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» (رواه أبو نعيم عن ابن عباس، وقال ابن عباس: في المراد بـ "الساجدين" من نبي إلى نبي). فقال هؤلاء: إن الكفر نجس، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (سورة التوبة: 28)، فكيف يُنقل الرسول ﷺ من أصلاب الطاهرين إذا آزر أب إبراهيم نجس؟ وكيف يكون تقلبه في الساجدين إذا آزر ليس منهم؟
وردٌّ على ذلك:
بأن إرادة العمّ من "الأب" عُدول عن الظاهر بلا مقتضى، والنصوص المذكورة في الطهارة والسجود لا تقتضي هذا العُدول. لأن آية ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ ليست نصًّا في ما فسّره ابن عباس حصراً، فقد فسّرها غيره بغير ذلك: بأن المعنى أن الله يراك قائمًا وراكعًا وساجدًا، لأن قبلها: ﴿ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾.
وأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أولًا لم يصل إلى الدرجة التي يُعتمد عليها في العقائد. وثانيًا فسّرت الطهارة فيه بعدم السفاح، كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعًا: «لم يلتقِ أبَواي قط على سفاح، لم أزل يُنقَّلني من الأصلاب الطيِّبة إلى الأرحام الطاهرات مصفّى مهذّبًا»، وكما رواه الطبراني عن عليّ مرفوعًا: «خرجت من نِكاح، ولم أخرج من سِفاح منذ آدم إلى أن وُلِدَتْني أُمي وأبي، لم يُصبْني من نِكاح الجاهلية شيء».
هذا، ولا يُضِرّ أن يكون في أنساب الأنبياء من هم كافرون، فكل امرئ بما كسب رهين، وقصة آزر ونسب النبي ﷺ ليست عقيدة نُحاسب عليها، وهي متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم. فَلْنَهْتَمّ بحاضرنا لنصلحَه، وبمستقبلنا لنستعد له.
وأما التفريق في جواز الاستغفار للكافر بين كونه حيًّا يُرجى له الإيمان، وبين الميّت الكافر، فعمدتهم فيه إلى هذه الرواية.
🔹 المصادر والمراجع:
1) القرآن الكريم.
2) تفسير الطبري (ج 19 ص 124).
3) تفسير الدر المنثور (ج 6 ص 330).
4) كتاب الأم للإمام الشافعي (4/81).
5) صحيح مسلم (حديث 203، 976).
6) السنن الكبرى للبيهقي (7/190).
7) دلائل النبوة للبيهقي (1/192).
8) الضعفاء الكبير للعقيلي (2/291).
9) تهذيب الكمال (7/259، 7/263).
10) تهذيب التهذيب (3/11–12).
11) تاريخ ابن معين (2/207).
12) الدرّة فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 298).
13) أدلة معتقد أبي حنيفة لملا علي القاري (ص 40، 133).
14) أوائل المقالات للمفيد (ص 45).
15) فتوى الشيخ عطية صقر – دار الإفتاء المصرية.