من الشبهات التي يثيرها بعض المبتدعة والملحدين قولهم: إن المسلمين عطّلوا عقولهم حين جعلوا الوحي مصدر الهداية، وتعلقوا بالنقل دون العقل! وهذه شبهة باطلة تقوم على جهل بحقيقة العلاقة بين العقل والوحي، إذ ظنّ أصحابها أن العقل مستقلّ بذاته عن الهداية الربانية، وأن بإمكانه وحده إدراك الغيب والمصير والشرائع، مع أن العقل في ذاته آلة تحتاج إلى نور الوحي ليهتدي، كما تحتاج العين إلى النور لترى.

فالعقل إذا انفصل عن الوحي ضلّ، وإذا استضاء بنوره اهتدى، ولذلك كان الوحي هو النور الذي يُرشد العقل إلى طريق الحق، ويُعرّفه ما لا سبيل له إليه بغيره من أمور الغيب، وأخبار الماضي، والمستقبل.

الشبهة:

يقول بعض المبتدعة والملحدين:

أنتم عطّلتم عقولكم وتعلّقتم بالوحي، والعقل كافٍ لهداية الإنسان بلا حاجة إلى النقل 

الرد على الشبهة:

لو دخلنا غرفة مظلمة لا يوجد بها أي ضوء، فهل تنتفع العين بشيء؟ لا، لأن العين مهما كانت سليمة لا يمكنها الإبصار إلا بوجود النور.

فكذلك العقل، لا ينتفع ولا يهتدي إلا بنور الوحي، فهو نوره وهدايته.

العقل تابع للوحي، لا معارض له، فالوحي هو الذي يوجّه العقل، ويكشف له ما لا يدركه بالحس أو التجربة.

فمن استغنى بالعقل عن الوحي ضلّ، لأنه لن يستطيع أن يثبت أمور الغيب كوجود الجن أو الملائكة، ولا أن يعرف أخبار الماضي أو المستقبل، مثل العلامات التي أخبر بها النبي ﷺ.

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل: 1] من منا رأى ذلك؟ لا أحد، ومع ذلك نؤمن به لأن الوحي الصادق أخبرنا به.

فكما أن العين تحتاج إلى النور لتُبصر، فالعقل يحتاج إلى الوحي ليهتدي.

الوحي لا يُعطّل العقل، بل يُرشده ويُكمّله، ويمنعه من الانحراف والضلال، إذ هو بيانٌ من الله العليم الحكيم الذي يعلم ما يعجز عنه البشر.

الخلاصة:

العقل الصحيح لا يمكن أن يتعارض مع الوحي الصريح، بل هما متكاملان؛ العقل يدرك وجوب تصديق الوحي، والوحي يُرشد العقل إلى ما وراء إدراكه. فمن جعل العقل حَكماً على الوحي ضلّ، ومن جعل الوحي هادياً للعقل اهتدى.

المصادر:

1)  القرآن الكريم.

2)  ابن القيم، مفتاح دار السعادة.

3)  شيخ الإسلام ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل.

4)  محمد الأمين الشنقيطي، العقل والنقل في ميزان الشرع.