من المسائل التي يثيرها بعض المتأخرين للطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، رواية منسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، جاء فيها قوله: «لولا ما سبقني به ابن الخطاب – أو قال: من رأي ابن الخطاب – ما زنى إلا شقي».

وقد استغلّ بعض خصوم الإسلام هذا النص في التلميح إلى أنّ عليًّا رضي الله عنه يعترض على نهي عمر عن المتعة، سواء كانت متعة الحج أو متعة النساء، مع أنَّ الرواية من جهة الإسناد لا تصحُّ، ومن جهة المعنى لا تقوم بها حجة، بل تدور بين ضعفٍ وجهالةٍ وغلوٍّ ظاهر في النقل.

وفي هذا المقال نُبيّن ضعف هذه الرواية من أسانيدها المختلفة، ونكشف حال رواتها من كتب الجرح والتعديل، بما في ذلك المصادر الشيعية نفسها التي حكمت عليها بالجهالة والوضع، حتى يتبين للقارئ الحق من الباطل، ويظهر أن هذه المقولة لا أصل صحيح لها عن عليٍّ رضي الله عنه.

نص الرواية ومصدرها:

روى عبد الرزاق في المصنف (7/499) عن ابن جريج قال:

«أخبرني من أصدق أن عليًّا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب – أو قال: من رأي ابن الخطاب – ما زنى إلا شقي».

والصحيح في اللفظ: «لولا ما سبقني به ابن الخطاب»، إلا أنَّ الرواية من جميع طرقها ضعيفة لا تثبت.

نقد الإسناد وبيان علّته:

الرواية فيها علّتان واضحتان:

1️ الجهالة في الإسناد:

قول ابن جريج: «أخبرني من أصدق»، جملة مبهمة لا يُعرف من هو الراوي المقصود بها، فلا يُقبل الحديث حتى يُسمّى من أخبره.

وقد علّق الإمام أحمد بن حنبل على هذه الطريقة في رواية ابن جريج قائلاً:

«إذا حدّثك ابن جريج عن فلان وأخبرتُ: جاءك بالمناكير» (سير أعلام النبلاء 6/328).

فهذا تصريح من إمام المحدثين بأن روايات ابن جريج التي فيها "أخبرني من أصدق" منكرة لا يعتمد عليها.

2️ الرواية جاءت من طريق المفضل بن عمر

وقد جاءت الرواية أيضًا من طريق المفضل بن عمر الجعفي، وهو متروك الحديث عند أهل السنة والشيعة على السواء.

قال النجاشي:

«المفضل بن عمر أبو عبد الله الجعفي الكوفي، فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يُعبأ به، وقيل: كان خطابياً، وقد ذكرت له مصنفات لا يُعوّل عليها» (رجال النجاشي 2/359–360).

وقال ابن الغضائري كما نقل القهبائي في مجمع الرجال (6/131):

«المفضل بن عمر ضعيف، متهافت، مرتفع القول، خطابي، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً، ولا يجوز أن يُكتب حديثه».

وقال الأردبيلي في جامع الرواة (2/258–259):

«رُويت في مدحه روايات غير نقية الطريق، وأورد الكشي أحاديث في ذمه والبراءة منه، وهي أقرب إلى الصحة، فالأولى عدم الاعتماد عليه».

وعليه، فالإسناد ضعيف جدًا ومضطرب من جهة الرواية، فلا يُقبل بحال.

حكم علماء الشيعة أنفسهم على الرواية:

حتى بعض علماء الشيعة الكبار حكموا على هذه الرواية بالجهالة:

قال المجلسي في ملاذ الأخيار (12/29 حديث 5):

«الحديث مجهول».

وكرر ذلك في مرآة العقول (20/227 حديث 2)، مؤكدًا ضعف الرواية وجهالة طريقها.

فإذا كان علماء الشيعة أنفسهم قد حكموا بضعف الرواية، فلا يصحّ أن تُتّخذ ذريعة للطعن في الصحابة أو لإثبات القول بإباحة المتعة بعد تحريمها.

التحقيق في المعنى

حتى لو افترضنا صحة السند – جدلاً – فالكلام لا يدل على الإقرار بالمتعة، بل على بيان أن الناس لولا التشديد في أمرها لظنوا أنها زواج شرعي، فيقعون في الزنا وهم يظنون الحلّ، فنهى عنها عمر رضي الله عنه حماية للأعراض.

وعليه فإن قول "لولا ما سبقني به ابن الخطاب" – إن صحّ – يُفهم على معنى أن عمر سدّ باب الذريعة التي قد تؤدي إلى الفاحشة، وليس على معنى الاعتراض عليه.

بل إن عليًّا رضي الله عنه صرّح بنفسه بتحريم المتعة، كما في صحيح مسلم عن سبرة الجهني أن النبي ﷺ قال:

«يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّمها إلى يوم القيامة» (صحيح مسلم رقم 1406).

وروى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه أنه قال لابن عباس:

«إن النبي ﷺ نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» (البخاري رقم 4825).

فكيف يُعقل بعد ذلك أن يمدح عليٌّ المتعة أو يلوم عمر على سدّها؟!

خلاصة القول:

الرواية المنسوبة لعلي رضي الله عنه بلفظ «لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي» ضعيفة الإسناد ومجهولة الراوي.

من رواتها المفضل بن عمر الجعفي، وهو ضعيف متروك عند المحدثين من الفريقين.

حكم كبار علماء الشيعة أنفسهم بجهالة الرواية وعدم صحتها.

الثابت عن علي رضي الله عنه وعن النبي ﷺ هو تحريم المتعة، ولا يعرف عن أحد من الصحابة بعد خيبر قول بجوازها.

لا يصح بحالٍ نسبة الاعتراض إلى علي رضي الله عنه على رأي عمر، بل هو من الاتفاق في الفهم والسنة.

المصادر والمراجع:

مصنف عبد الرزاق الصنعاني (7/499).

سير أعلام النبلاء (6/328) للذهبي.

رجال النجاشي (2/359–360).

مجمع الرجال (6/131) للقهبائي.

جامع الرواة (2/258–259) للأردبيلي.

ملاذ الأخيار (12/29) للمجلسي.

مرآة العقول (20/227) للمجلسي.

صحيح مسلم (رقم 1406).

صحيح البخاري (رقم 4825).