تُعَدّ قضية "متعة الحج" من المسائل التي وقع فيها كثير من الجدل والاختلاف بين المفسرين والفقهاء عبر العصور. وقد استغل بعض المغرضين هذا الخلاف في الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، متجاهلين أن المسألة اجتهادية تتعلق بتنظيم الشعائر، وليست من العقائد أو الأحكام الثابتة التي يُضلّل المخالف فيها.
ومن بين ما ورد في هذا الباب رواية نُسبت إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، تشير إلى أن أول من نهى عن متعة الحج هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وهذه الرواية تحتاج إلى فحص دقيق من حيث الإسناد والمتن، إذ لا يصح أن يُبنى حكم أو طعن على حديث ضعيف، خصوصاً إذا مسّ أحد كبار الصحابة الذين كان لهم دور محوري في تثبيت أركان الدولة الإسلامية.
يهدف هذا المقال إلى بيان حقيقة الرواية المذكورة، وشرح معناها في ضوء التحقيق العلمي، مع التوضيح أن نهي معاوية ـ إن صحّ ـ لا يعدّ تحريمًا، بل اجتهادًا إداريًا لتنظيم أمر الحج، وهو ما درج عليه الخلفاء الراشدون من قبله.
| 
			 نص الرواية:  | 
		
روى الإمام أحمد في المسند (5/64، تحقيق الأرناؤوط رقم 2877) بإسناده فقال:
حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا عبد الرزاق، أنا سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال:
«تمتع رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك، وأول من نهى عنها معاوية».
وقال المحقق الشيخ شعيب الأرناؤوط:
إسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم.
| 
			 التحقيق في الرواية:  | 
		
عند التحقق من هذه الرواية نجد أن مدارها على ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف باتفاق أئمة الجرح والتعديل، حيث قال الإمام أحمد: «ليث مضطرب الحديث»، وقال ابن معين: «ليس بالقوي»، وقال النسائي: «ليس بثقة».
وبناءً على ذلك، فإن هذه الرواية لا تثبت عن ابن عباس، ولا يمكن اعتمادها في نسبة النهي إلى معاوية رضي الله عنه.
ثم إن الروايات الصحيحة الثابتة في الصحيحين وسنن النسائي والبيهقي وغيرها، تدل على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من نهى عن التمتع بالحج على سبيل التنظيم، لا التحريم، كما سبق بيانه في مواضع أخرى
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة:  | 
		
| 
			 ما جاء في كتب الرافضة فيما يتعلق بالقراءات حديث ابن عباس والخُمس بين الفهم الصحيح والتأويل الخاطئ شبهة حديث «إنها لك أُقيمت»–روايات صلاة عيسى خلف المهدي  | 
		
أما معاوية، فلم يُعرف عنه نهيٌ عن متعة الحج بالمعنى الشرعي، بل كان اجتهاده في بعض الأحوال راجعًا إلى تيسير شؤون الحجاج، أو منع التداخل بين أنواع النسك، وهو اجتهاد إداري لا علاقة له بالتحليل والتحريم.
| 
			 التفريق بين النهي والتحريم الشرعي:  | 
		
من المهم أن نُفرّق بين التحريم الشرعي الذي لا يكون إلا بنصٍّ من الله أو رسوله ﷺ، وبين النهي التنظيمي أو الإداري الذي يراه وليّ الأمر لمصلحة الناس.
فالنهي عن بعض صور التمتع بالحج لم يكن تحريمًا له مطلقًا، وإنما تنظيمًا للمواسم حتى لا يهجر الناس العمرة في غير أشهر الحج، كما بيّن ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله:
«إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج، والحج أشهر معلومات، فأخلصوا فيهن الحج، واعتمروا فيما سواهن» (رواه البيهقي في السنن الكبرى 5/21).
وهذا النهي من باب الاختيار للأفضل لا من باب التحريم القطعي.
| 
			 خلاصة القول:  | 
		
◘ الرواية المنسوبة إلى ابن عباس بأن أول من نهى عن متعة الحج هو معاوية رواية ضعيفة لا تصح بسبب ضعف ليث بن أبي سليم.
◘ لا يصح نسبة التحريم أو النهي الشرعي إلى معاوية رضي الله عنه.
◘ المتعة المقصودة في هذه الرواية هي متعة الحج، وليست متعة النساء، وقد ثبت أن النبي ﷺ وأصحابه قد تمتعوا بالحج.
◘ كان اجتهاد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم في تنظيم النسك لا تحريمه، حفاظًا على مقاصد الشريعة في العبادة وزيارة بيت الله.
| 
			 المصادر والمراجع:  | 
		
1) مسند الإمام أحمد بن حنبل (تحقيق شعيب الأرناؤوط).
2) السنن الكبرى للبيهقي.
3) صحيح البخاري – كتاب الحج.
4) صحيح مسلم – كتاب الحج.
5) شرح معاني الآثار – الطحاوي.
6) تهذيب التهذيب – ابن حجر العسقلاني.
7) سير أعلام النبلاء – الذهبي.