من المسائل التي كثر حولها الجدل بين أهل السنة والفرق الضالة، ما يتعلق بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله:

«متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما».

وقد اتخذت الفرقة الإمامية الاثنا عشرية هذا الحديث ذريعة للطعن في عمر رضي الله عنه، زاعمين أنه ابتدع في الدين وحرّم ما أحلّه الله. غير أن التحقيق العلمي الدقيق يثبت أن قول عمر لم يكن تحريمًا بمعناه الشرعي، وإنما بيان لاجتهادٍ إداريٍ وسياسيٍ مبنيٍّ على المصلحة الشرعية، وهو اجتهاد وافقه عليه عامة الصحابة والتابعين، بل جاءت النصوص الصحيحة عن رسول الله ﷺ بتحريم متعة النساء تحريمًا أبديًا إلى يوم القيامة. أما متعة الحج، فإن عمر رضي الله عنه لم يحرّمها، بل كان يرشد الناس إلى الأفضل والأكمل في العبادة، وهو الإفراد بين الحج والعمرة، استنادًا إلى قوله تعالى:

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].

ومن هنا تأتي أهمية هذا المقال في بيان حقيقة موقف عمر رضي الله عنه من المتعتين، ودحض الافتراءات التي تبناها الغلاة من الفرق الضالة في تفسير هذا الأثر الشريف.

نص الحديث:

روى البيهقي في السنن الكبرى (7/206):

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ عبد الله بن محمد بن موسى ثنا محمد بن أيوب أنبأ موسى بن إسماعيل ثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال:

 «قلت: إن بن الزبير ينهى عن المتعة وأن بن عباس يأمر بها قال: على يدي جرى الحديث: تمتعنا مع رسول الله e ومع أبي بكر رضي الله عنه فلما ولي عمر خطب الناس فقال إن رسول الله e هذا الرسول وإن هذا القرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله e وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة والأخرى متعة الحج أفصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم»

رواه البيهقي في (السنن الكبرى7/206).

تفسير الحديث وبيان معناه الصحيح:

وهذا القدح منهم لعمر يلزمهم في أبي ذر رضي الله عنه الذي يعظمه الشيعة. فقد ثبت عنه أن كان يقول: «كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة» (مسلم2148).

 وفي رواية: عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال قال أبو ذر رضي الله عنه «لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة يعني متعة النساء ومتعة الحج» (مسلم رقم2150).

 

 

وقد ذهب عامة العلماء أن عمر لم يحرم متعة الحج. وإنما كان يرى متعة الحج رخصة تؤدى فيها عمرة وحجة في زيارة واحدة للبيت. وكان يريد من الناس إتمام العمرة لقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾  وكذلك تكثير زيارة البيت حتى لا يزار البيت فقط في الأشهر الحرم. ثم هو صرح بأنه لم ينه عنها نهي تحريم بل يرى تمتع الحج مهتديا بسنة النبي e .

فقد ثبت عن الصُبَيّ بن معبد أنه لما قال لعمر:

«إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا. قال له عمر: هديت لسنة نبيك» (رواه أحمد في المسند بإسناد صحيح1/14 أو1/246 رقم (83) و(169) و(227) و(254) و(256) و(379) وصححه محققو المسند. ورواه النسائي5/113 وصححه الألباني (صحيح النسائي2/575 ح رقم2550).

وعن ابن عباس قال:

 «سمعت عمر يقول والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله يعني العمرة في الحج» (سنن النسائي رقم 2719 وصححها الألباني في صحيح النسائي2/578 ح رقم2563).

وروى البيهقي عن علي بن أبي طالب أنه قال لعمر بن الخطاب «أنهيت عن المتعة؟ قال: لا ولكني أردت كثرة زيارة البيت.

 فقال علي رضي الله عنه:

 من أفرد الحج فحسن ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه e».

وإنما أراد عمر أن لا يخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج فنهاهم عن التمتع.

وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له:

 «إنك تخالف أباك قال: إن أبي لم يقل الذي تقولون إنما قال أفردوا العمرة من الحج أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله عز وجل لرسول الله قال فإذا أكثروا عليه قال أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر؟» (سنن البيهقي5/21 التمهيد8/210 لابن عبد البر وقال مؤلف كتاب حجة الوداع «رجاله ثقات»1/398).

وعن عقيل عن بن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر:

 «لِمَ نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة وقد فعل ذلك رسول الله وفعلها الناس معه. فقال أخبرني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال «إنّ أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج والحج أشهر معلومات فأخلصوا فيهن الحج واعتمروا فيما سواهن من الشهور» (رواه البيهقي في سننه5/21).

موقف العلماء من اجتهاد عمر رضي الله عنه:

قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار:

«فأراد عمر رضي الله عنه بذلك تمام العمرة لقول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله وذلك أن العمرة التي يتمتع فيها المرء بالحج لا تتم إلا بأن يهدي صاحبها هديا أو يصوم إن لم يجد هديا وإن العمرة في غير أشهر الحج تتم بغير هدى ولا صيام فأراد عمر رضي الله عنه بالذي أمر به من ذلك أي يزار البيت في كل عام مرتين وكره أن يتمتع الناس بالعمرة الى الحج فيلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت إلا مرة واحدة في السنة فأخبر ابن عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث أنه إنما أمر بإفراد العمرة من الحج لئلا يلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت إلا مرة واحدة في السنة لا لكراهته التمتع لأنه ليس من السنة. وإنما كان يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل منها» انتهى.

والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل، بالشيء نهي عن ضده فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم، وهو لم يقل: وأنا أحرمهما كما يكذب الكذاب التيجاني، صاحب أكذوبة (إبحث عن دينك حتى يقال عنك مجنون). وإنما قال عمر: أنهى عنهما ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم.

وقال البيهقي في السنن الكبرى (7/206):

«وجدنا في قول عمر رضي الله عنه ما دل على أنه أحب أن يفصل بين الحج والعمرة ليكون أتم لهما فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه وعلى اختيار الأفراد على غيره لا على التحريم وبالله التوفيق» (سنن البيهقي7/206).

وقد قيل: إنه نهى عن الفسخ، والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء، وهو من مسائل الاجتهاد، فالفسخ يحرمه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، لكن أحمد وغيره من فقهاء الحديث وغيرهم لا يحرمون الفسخ، بل يستحبونه، بل يوجبه بعضهم، ولا يأخذون بقول عمر في هذه المسألة بل بقول: علي، وعمران بن حصين، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم من الصحابة.

أما التحريم المطلق لمتعة الحج: فقد ذهب إليه أبو ذر كما في صحيح مسلم عـن إبراهيم التيِّمي عن أبيه عن أبي ذر رضي اللـه عنه قال «كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة» (مسلم رقم 1224) وأبو ذر من الصحابة المرضيين عند الرافضة فإذا كان الخطأ في مسألة يقتضي القدح والطعن فينبغي أن يشمل أبو ذر أيضاً اللهم إذا كانت القضية هي البحث عن مثالب عمر فقط!

متعة النساء:

إن عمر لم يحرمها من تلقاء نفسه بل لأن النبي حرَّمها فقد أخرج مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدَّثه، أنه كان مع رسول الله «يا أيها الناس إني قد كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً» (مسلم رقم1406).

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن الحسن بن محمد ابن علي، وأخوه عبد الله عن أبيهما أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي e نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر» (رواه البخاري رقم4825).

 وقال علي بن أبي طالب لمن كان يجيز متعة النساء «إنك لرجل تائه. ألم تعلم أن النبي e حرم عنها يوم خيبر؟» (رواه مسلم).

إقرار بعض مصادر الرافضة بالحقيقة:

أقرّ بعض علماء الرافضة أنفسهم بأن عليًّا رضي الله عنه لم يُبح المتعة في خلافته، بل أقرّ تحريمها، كما قال موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح (ص120):

وأما الشيعة فقد اعترف بعضهم بهذه الحقيقة قائلا: «إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرِّمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الامام علي الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الامام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه»

(الشيعة والتصحيح ص120 موسى الموسوي).

رحم الله سعيد بن المسيب الذي أثنى على عمر لموقفه الشديد والصارم حيال المتعة حيث قال:

«رحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهارا»

(مصنف ابن أبي شيبة3/551 رقم17073).

وصدق رحمه الله: وهذا من إلهامه. فلولا هذا التشديد وغياب التحريم عن بعض أكابر الصحابة كجابر بن عبد الله وابن عباس لغاب التحريم عن الناس ولأنتشر بينهم الزنا وهم يحسبون أنه زواج.

وهذا رد على المقولة الباطلة المنسوبة زورا إلى علي أنه كان يقول وهو بالكوفة: «لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب - أو قال: من رأي ابن الخطاب ما زنا إلا شقي»

(مصنف عبد الرزاق 7/499).

خاتمة:

يتضح من جميع ما تقدم أن حديث «متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ وأنا أنهى عنهما» لا يدل على تحريم عمر رضي الله عنه لما أحلّه الله، بل يدل على حكمٍ اجتهاديٍ إداريٍ في متعة الحج، وعلى تطبيقٍ لما حرمه النبي ﷺ في متعة النساء.

رحم الله عمر، فقد كان غيورًا على حدود الله، متمسكًا بسنة رسوله ﷺ، كما قال سعيد بن المسيب:

«رحم الله عمر، لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهارًا»

(مصنف ابن أبي شيبة 3/551 رقم 17073).

فصدق رحمه الله، إذ لولا حزم عمر في هذا الباب لانتشر الفساد في الأرض باسم النكاح المؤقت.

المصادر والمراجع:

1)               السنن الكبرى للبيهقي (7/206

2)               مسند أحمد بن حنبل (1/14، 1/246)

3)               صحيح مسلم (رقم 1406، 1407، 2148، 2150، 1224)

4)               صحيح البخاري (رقم 4825)

5)               سنن النسائي (5/113، رقم 2719)

6)               شرح معاني الآثار للطحاوي

7)               مصنف ابن أبي شيبة (3/551 رقم 17073)

8)               الشيعة والتصحيح، موسى الموسوي

9)               التمهيد لابن عبد البر (8/210)