تُعَدّ قضية المتعة من المسائل التي أثارت جدلًا واسعًا في التاريخ الإسلامي، خصوصًا بعد أن استغلها بعض الغلاة لتبرير ممارسات تخالف مقاصد الشريعة. ومن أكثر النصوص التي استُدل بها على جواز متعة النساء حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، الذي جاء فيه: «دخلنا على أسماء فسألناها عن المتعة فقالت فعلناها على عهد النبي ﷺ».
وقد بنى بعضهم على هذا الحديث دعوى أن المتعة كانت مشروعة على الدوام، دون التمييز بين متعة الحج ومتعة النساء، مع أن الروايات الصحيحة والأسانيد المحكمة تبين أن المقصود هو متعة الحج لا النساء.
هذا المقال يهدف إلى بيان حقيقة الحديث، وتحقيق ألفاظه، وبيان وجه الخطأ في الفهم، مع توضيح السياق التاريخي الذي يُظهر استحالة وقوع المتعة من أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، بما يقطع الطريق على من يستغل هذا النص لتثبيت بدعته.
| 
			 نص الحديث ورواياته:  | 
		
قال الإمام الطيالسي في مسنده (5/48 حديث رقم 1731):
حدثنا يونس، قال حدثنا أبو داود، قال حدثنا شعبة، عن مسلم القُرِّي، قال:
«دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء فقالت: فعلناها على عهد النبي ﷺ».
وأخرجه النسائي وأبو نعيم في المستخرج.
ورواه الطبراني بلفظٍ آخر ليس مضافًا إلى متعة النساء، فقال:
«دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن المتعة» (المعجم الكبير للطبراني 17/349، حديث رقم 19758).
| 
			 اعترافات المصادر الشيعية:  | 
		
قبل مناقشة الحديث، لا بد من ذكر اعترافات كتب الشيعة أنفسهم بأن أسماء بنت عميس ـ زوجة جعفر بن أبي طالب ثم الزبير بن العوام ـ كانت من المهاجرات إلى الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة.
قال المجلسي في بحار الأنوار (78/251):
«أسماء بنت عميس كانت من المهاجرات إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب قبل وفاة خديجة عليها السلام بسنين، ولم تعد منها حتى عادت مع زوجها سنة ست من الهجرة».
وهذا يعني أنها كانت زوجةً متزوجة طيلة المدة التي أبيحت فيها المتعة المؤقتة، مما يجعل القول بتمتعها محالًا من الناحية الشرعية والعقلية.
وإباحة التمتع بالنساء كانت في غزاة الفتح على الصحيح أو في غزوة خيبر على قول، ثم حرمت تحريماً أبدياً، وأسماء رضي الله عنها كانت متزوجة إذ ذاك بالزبير بن العوام، فإنها كانت أكبر من عائشة رضي الله عنها، وقد تزوجت الزبير قبل الهجرة وهاجرت فكيف تتمتع وقد بقيت على ذمة زوجها طيلة الوقت؟
| 
			 تحقيق الإسناد واللفظ:  | 
		
الحديث مدارُه على شُعبة عن مسلم القُرِّي، عن أسماء رضي الله عنها.
وقد رواه عن شعبة عدد من الأئمة، واختلفت ألفاظهم في إضافة كلمة «النساء»، على النحو الآتي:
1- رواية أبي داود الطيالسي: بلفظ «متعة النساء» — وقد اختُلف عليه في اللفظ فرواه يونس بن حبيب ومحمود بن غيلان عن أبي دواد عن شعبة به بلفظ «متعة النساء» (مسند الطيالسي 1/227 والنسائي 5/326 وأبو نعيم في مستخرجه3/341).
ورواه عمرو بن علي القلاس وعبدة بن عبد الله الصفار عن أبي داود عن شعبة به بلفظ «فسألناها عن المتعة»
هكذا مطلقا من غير إضافة إلى النساء (المعجم الكبير 24/103 وأبي نعيم في مستخرجه3/341).
2- رواية عبد الرحمن بن مهدي: بلفظ «سألناها عن المتعة» — دون ذكر النساء.
3- رواية غندر عن شعبة: قال شعبة: «قال مسلم: لا أدري متعة الحج أم متعة النساء» (صحيح مسلم 2/909).
4- رواية روح بن عبادة: بلفظ «متعة الحج»، وفيها القصة وفيه قصة حيث قال مسلم القري «سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها. فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها.
سألوا ابن عباس عن متعة الحج، فأحالهم إلى أسماء رضي الله عنها، فدخلوا عليها فقالت: «قد رخص رسول الله ﷺ فيها» (مسند أحمد 6/348، الطبراني 24/77).
| 
			 الترجيح بين الروايات:  | 
		
بالمقارنة بين الروايات يتبيّن أن اللفظ المحفوظ هو «متعة الحج»، للأسباب التالية:
أولا: أنه لم يذكر متعة النساء إلا أبو داود الطيالسي، وقد خالف فيه من هو أكثر عددا وأحفظ منه مثل غندر وعبد الرحمن بن مهدي وروح بن عبادة، وهؤلاء لا بد من تقديم روايتهم على رواية أبي داود لأنهم أكثر عدداً وأحفظ من أبي داود عموماً وفي شعبة خصوصاً وهذا بين لمن له أدنى اطلاع على طبقات الثقات.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة:  | 
		
| 
			 ما جاء في كتب الرافضة فيما يتعلق بالقراءات حديث ابن عباس والخُمس بين الفهم الصحيح والتأويل الخاطئ شبهة حديث «إنها لك أُقيمت»–روايات صلاة عيسى خلف المهدي  | 
		
ثانياً: أن أبا دواد قد اختُلف عليه فلم يتفق الرواة عنه في ذكر متعة النساء، والأرجح من الروايات عنه هو لفظ (المتعة) دون ذكر النساء لأمور:
◘ أن رواتها عنه أحفظ. فعمرو بن علي الفلاس من الحفاظ الأثبات ومن شيوخ أصحاب الكتب الستة، وكذلك عبدة الصفار ثقة روى له البخاري، أما يونس بن حبيب فهو وإن كان ثقة ولكنه ليس بدرجة هذين ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة. ومحمود بن غيلان ثقة إلا أن الأوليين أحفظ منه.
◘ أن لفظ المتعة هو اللفظ الموافق لرواية الجماعة عن شعبة فلذا لزم أن يقدم.
ثالثًا: أن رواية روح بن عبادة فيها ذكر القصة وهي ذهابهم إلى ابن عباس رضي الله عنهما وسؤاله عن متعة الحج ثم إحالته لهم إلى أسماء رضي الله عنها، وهذا يدل على حفظ راويها، وذكر القصة وتفصيل وقائع الحديث من طرق ترجيح الروايات عند الاختلاف.
رابعًا: أن مسلم القري وهو الراوي عن أسماء قد شك في ذلك كما في رواية غندر عن شعبة عنه فقال «لا أدري متعة النساء أم متعة الحج». والمعلوم أن غندر من أوثق الرواة عن شعبة.
خامساً: أنه من الممتنع أن يكون الحديث عن متعة النساء، وقد ذكرت فيه أنها فعلتها، لأن إباحة التمتع بالنساء كانت في غزاة الفتح على الصحيح أو في غزوة خيبر على قول، ثم حرمت تحريماً أبدياً، وأسماء رضي الله عنها كانت متزوجة إذ ذاك بالزبير بن العوام، فإنها كانت أكبر من عائشة رضي الله عنها، وقد تزوجت الزبير قبل الهجرة وهاجرت مع زوجها باعتراف الرافضة.
قال المجلسي:
" أسماء بنت عميس كانت من المهاجرات إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب قبل وفاة خديجة عليها السلام بسنين، ولم تعد منها حتى عادت مع زوجها جعفر سنة ست من الهجرة" (بحار الأنوار 78/251 و42/105 منهاج البراعة 20/53 مستدرك الوسائل 2/74 مجمع البحرين 1/230).
وهاجرت وهي حامل بابنها عبد الله، وهو أول مولود في الإسلام، ثم إن زوجها هو من أشد الصحابة غيرة كما هو معلوم عنه، فكيف يقال بأنها تمتعت، حاشاها من ذلك وهي الطاهرة المطهرة، فإن إباحة المتعة إنما كانت في غزوة الفتح، ولم يغادر النبي صلى الله عليه وسلم مكة حتى حرمها إلى يوم القيامة، ولم تكن أسماء رضي الله عنها من ضمن الجيش في غزوة الفتح، فلم تشهد الفترة التي أبيحت فيها المتعة ولم تكن أصلاً لتسافر من غير محرم، فهل يعقل أنها تمتعت مع وجود زوجها؟ (مستفاد من بحث للشيخ فيصل القزار).
| 
			 التحليل التاريخي والفقهي:  | 
		
إن إباحة متعة النساء كانت في ظروف استثنائية ثم نُسخت، كما ورد في الصحيحين عن علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«إن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية» (صحيح البخاري رقم 5115، صحيح مسلم رقم 1407).
كما ثبت عن سَبْرَة الجُهني أن النبي ﷺ قال:
«يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة» (صحيح مسلم رقم 1406).
فهذه النصوص القطعية تُثبت أن المتعة نُسخت نسخًا نهائيًا، ولم تبق لها مشروعية بعد ذلك، فكيف تُنسب إلى امرأة مؤمنة صالحة مثل أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها؟
| 
			 الخلاصة:  | 
		
يتبيّن من التحقيق أن حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها يدور حول متعة الحج لا متعة النساء، وأن الخطأ في بعض الروايات راجع إلى تصحيف أو سوء فهم من بعض الرواة أو النُّسّاخ.
أما من يحتج به على جواز متعة النساء فهو جاهل بالسياق والسند والروايات الأخرى التي تُثبت خلاف دعواه.
ومن هنا يظهر أن الشبهة باطلة من أصلها، وأن أسماء رضي الله عنها بريئة مما نُسب إليها، بل كانت من خيار الصحابيات طُهرًا وديانةً، رضي الله عنها وأرضاها.
| 
			 المصادر والمراجع:  | 
		
◘ مسند الطيالسي (5/48، حديث رقم 1731)
◘ المعجم الكبير للطبراني (17/349، حديث رقم 19758)
◘ صحيح مسلم (2/909)
◘ مسند أحمد (6/348)
◘ بحار الأنوار للمجلسي (78/251، 42/105)
◘ منهاج البراعة (20/53)
◘ مستدرك الوسائل (2/74)
◘ مجمع البحرين (1/230)
◘ بحث الشيخ فيصل القزار في تحقيق حديث أسماء بنت أبي بكر.