من أعظم الشبهات التي رُوِّجت عبر التاريخ لتشويه نقاء الشريعة الإسلامية، خرافة ما يُسمّى بـ نكاح المتعة، التي اتخذتها بعض الفرق الضالة أصلًا من أصول دينها المنحرف.
وقد جعلوا منها بابًا من أبواب الحلال، مع أن النبي ﷺ حرّمها تحريمًا أبديًا صريحًا، فقال:
«إني كنتُ أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّمها إلى يوم القيامة»
(رواه مسلم في صحيحه).
كان نكاح المتعة في صدر الإسلام مباحًا لحاجةٍ عارضة في زمن الجهاد والسفر، ثم جاء الوحي بنسخه الصريح مرتين، آخرهما في غزوة خيبر، فانعقد الإجماع على تحريمه تحريمًا مؤبدًا.
ومع ذلك، تمسّكت بعض الفرق المنحرفة بظاهر النصوص الأولى دون فهم سياقها الزمني، فزعموا أن التحريم اجتهاد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا وحيٌ من النبي ﷺ، وهذه دعوى باطلة ردّها كبار العلماء بالأسانيد والوقائع الصحيحة.
وفي هذا المقال نعرض كلام ابن حزم الأندلسي وما نقله عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، مع تحليل علمي للروايات التي نسب فيها بعض المتأخرين إلى الصحابة بقاء القول بإباحة المتعة، وبيان بطلان ذلك من جهة النقل والعقل.
| 
			 قال ابن حزم:  | 
		
"ثبت على إباحتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن مسعود، ومعاوية، وأبو سعيد، وابن عباس، وسَلَمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف، وجابر، وعمرو بن حُريث.
ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر .
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة:  | 
		
| 
			 ما جاء في كتب الرافضة فيما يتعلق بالقراءات حديث ابن عباس والخُمس بين الفهم الصحيح والتأويل الخاطئ شبهة حديث «إنها لك أُقيمت»–روايات صلاة عيسى خلف المهدي  | 
		
قال: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة."
قال ابن حجر العسقلاني معقبًا في فتح الباري (ج9، ص174):
"قلت: وفي جميع ما أطلقه نظر."
| 
			 ثم بيّن رحمه الله وجه النظر في كل ما ذكره ابن حزم، فقال:  | 
		
"أما ابن مسعود، فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح، وقد بينتُ فيه ما نقله الإسماعيلي من الزيادة فيه المصرّحة عنه بالتحريم، وقد أخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد، وفي آخره: (ففعلنا ثم ترك ذلك)."
"وأما معاوية، فأخرجه عبد الرزاق من طريق صفوان بن يعلى بن أمية، قال: (أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف)، وإسناده صحيح، لكن في رواية أبي الزبير عن جابر عند عبد الرزاق أيضًا أن ذلك كان قديمًا.
ولفظه: (استمتع معاوية مقدمه الطائف بمولاة لبني الحضرمي يقال لها معانة، قال جابر: ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية، فكان يرسل إليها بجائزة كل عام)."
"وقد كان معاوية متّبعًا لعمر مقتديًا به، فلا يُشك أنه عمل بقوله بعد النهي.
ومن ثم قال الطحاوي:
خطب عمر فنهى عن المتعة، ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يُنكر عليه منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه."
"وأما أبو سعيد، فأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أن عطاء قال: (أخبرني من شئت عن أبي سعيد قال: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقًا). وهذا – مع كونه ضعيفًا للجهل بأحد رواته – ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم."
"وأما ابن عباس، فتقدّم النقل عنه والاختلاف هل رجع أو لا."
"وأما سَلَمة ومعبد، فقصتهما واحدة اختلف فيها: هل وقعت لهذا أو لهذا؟
فروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: (لم يرع عمر إلا أم أراكة قد خرجت حبلى، فسألها عمر فقالت: استمتع بي سلمة بن أمية)، وأخرج من طريق أبي الزبير عن طاوس فسماه معبد بن أمية."
"وأما جابر، فمستنده قوله:
(فعلناها)، وقد بينته قبل، ووقع في رواية أبي نصرة عن جابر عند مسلم: (فنهانا عمر فلم نفعله بعد).
فإن كان قوله (فعلناها) يعم جميع الصحابة، فقوله (ثم لم نعد) يعم جميع الصحابة أيضًا، فيكون إجماعًا، وقد ظهر أن مستنده الأحاديث الصحيحة التي بيناها."
فإن كان قوله فعلنا يعم جميع الصحابة فقوله ثم لم نعد يعم جميع الصحابة فيكون إجماعا، وقد ظهر أن مستنده الأحاديث الصحيحة التي بيناها.
"وأما عمرو بن حريث، وكذا قوله:
رواه جابر عن جميع الصحابة، فعجيب! وإنما قال جابر (فعلناها)، وذلك لا يقتضي تعميم جميع الصحابة، بل يصدق على فعل نفسه وحده."
"وأما ما ذكره عن التابعين، فهو عند عبد الرزاق عنهم بأسانيد صحيحة، وقد ثبت عن جابر عند مسلم: (فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لها).
فهذا يردّ عدَّه جابرًا فيمن ثبت على تحليلها."
"وقد اعترف ابن حزم مع ذلك بتحريمها، لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم:
«إنها حرام إلى يوم القيامة».
قال: فأمِنا بهذا القول نسخ التحليل. والله أعلم."
(فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج9، ص174)
المصدر: موقع إسلام ويب - المكتبة الإسلامية
| 
			 الخلاصة:  | 
		
يتضح من استقراء النصوص والروايات أن القول بإباحة نكاح المتعة بعد تحريم النبي ﷺ له باطلٌ لا يصح، وأن ما نُسب إلى بعض الصحابة لا يخرج عن فعلٍ قديمٍ قبل النسخ، أو رواية غير ثابتة السند.
كما أن نهي عمر رضي الله عنه لم يكن رأيًا اجتهاديًا، بل تأكيدًا لنص النبوة، بدليل أن جميع الصحابة أقرّوه عليه ولم يُنكروا قوله، فانعقد بذلك الإجماع على التحريم الأبدي.
ومن هنا، فإن دعوى الإباحة التي تتخذها الفرق المنحرفة دليلًا على مذهبها ما هي إلا خرافة مرفوضة بالنص والإجماع والعقل.
| 
			 المصادر:  | 
		
1- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج9، ص174.
2- عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، باب نكاح المتعة.
3- مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة.
4- الطحاوي، شرح معاني الآثار.
5- موقع المكتبة الإسلامية – إسلام ويب.