من المسائل الدقيقة التي تناولها العلماء بالبحث والتحقيق، مسألة الأحرف التي نزل بها القرآن الكريم، فقد وردت روايات متعددة في هذا الباب، منها ما هو صحيح ثابت، ومنها ما هو ضعيف لا تقوم به حجة.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا السياق، حديث: «أُنزل القرآن على عشرة أحرف»، المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والذي رواه السِّجزي في الإبانة عن أصول الديانة، وذكره الإمام السيوطي في الفتح الكبير.

وقد تكلّم العلماء في إسناده ومتنه، وبيّنوا أنه ضعيف السند، وأن المراد بالأحرف في هذا الأثر ليس القراءات القرآنية المتعددة، وإنما أنواع المعاني التي جاء بها القرآن من أمرٍ ونهيٍ ووعدٍ ووعيدٍ وغير ذلك.

في هذا المقال نعرض نص الحديث، وأقوال العلماء في تضعيفه، وتحليل معناه الصحيح، مع توثيق المصادر وتنسيقٍ علميٍّ واضحٍ يسهل على القارئ فهمه.

نص الحديث وتخريجه

قال الإمام السيوطي رحمه الله في الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير (ج 1 ص 260):

(2823) «أُنزل القرآن على عشرة أحرف: بشيرٍ، ونذيرٍ، وناسخٍ، ومنسوخٍ، وعظةٍ، ومثلٍ، ومحكمٍ، ومتشابهٍ، وحلالٍ، وحرامٍ».

مختارات من مقالات السقيفة

  - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟

- الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام

- إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)

- إلزام: لماذا الولاية ليست ضمن أركان الإسلام الخمس

- روايات الشيعة في تفسير "أولي الإربة" وتناقضها

 

(رواه السِّجزي في الإبانة) عن عليٍّ رضي الله عنه.

حكم الحديث من حيث السند

قال الإمام الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع الصغير وزياداته (ج 1 ص 193):

(1339) «أنزل القرآن على عشرة أحرف: بشيرٍ ونذيرٍ وناسخٍ ومنسوخٍ وعظةٍ ومثلٍ ومحكمٍ ومتشابهٍ وحلالٍ وحرامٍ».

رواه السِّجزي في الإبانة عن عليٍّ.

حكم الألباني: ضعيف

وهذا التضعيف يتفق مع منهج المحدثين في أن إسناد السجزي مجهول الحال أو ضعيف الاتصال، كما أن هذا اللفظ مخالف للروايات الصحيحة التي ثبت فيها أن القرآن نزل على سبعة أحرف، لا عشرة.

تحليل المتن وبيان المعنى الصحيح

بيّن العلماء أن مراد الإمام علي رضي الله عنه من قوله: «أنزل القرآن على عشرة أحرف» ليس المقصود به اختلاف القراءات، بل المقصود أنواع المعاني والمضامين التي تضمنها القرآن الكريم.

قال الإمام المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (ج 1 ص 771):

«(أنزل القرآن على عشرة أحرف) أي على عشرة وجوه، وهي:

(بشير) أي فيه البشارة للمؤمنين،

(ونذير) أي فيه الإنذار للكافرين،

(وناسخ ومنسوخ) أي فيه أحكام نُسخت وأُبدلت،

(وعظة) أي موعظة تذكّر القلوب،

(ومثل) أي أمثال تُضرب للعبرة،

(ومحكم) أي آيات واضحة الدلالة لا تحتمل إلا معنى واحداً،

(ومتشابه) أي آيات محتملة للمعاني تحتاج إلى بيان،

(وحلال وحرام) أي بيان ما يجوز وما لا يجوز من الأحكام الشرعية».

فالمقصود هنا هو التنوع في معاني القرآن وموضوعاته، لا تعدد ألفاظه أو وجوه قراءاته.

وبذلك يتضح أن هذا الأثر لا يتعارض مع حديث السبعة أحرف الثابت في الصحيحين، لأن المقصود فيهما مختلف تماماً.

المصادر

1)           الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير جلال الدين السيوطي ج 1 ص 260.

2)           ضعيف الجامع الصغير وزياداته محمد ناصر الدين الألباني ج 1 ص 193.

3)           التيسير بشرح الجامع الصغير محمد بن عبد الرؤوف المناوي ج 1 ص 771.

4)           الإبانة عن أصول الديانة أبو الحسن السجزي.