من الأحاديث النبوية التي كثر حولها الجدل في باب الخُمس حديث وفد عبد القيس الذين قدموا على النبي ﷺ يسألونه عن أمور دينهم، فأمرهم النبي ﷺ بالإيمان بالله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإعطاء الخمس من المغنم. وقد استدل بعض الباحثين المعاصرين بهذا الحديث على أن النبي ﷺ أوجب الخمس في كل مكسب وربح، لا في الغنائم وحدها، كما ذهب بعضهم إلى تأويل كلمة «المغنم» لتشمل الأرباح الدنيوية عامة.

إلا أن الدراسة المتأنية لحديث النبي ﷺ وسياقه في الصحيحين، وبيان أقوال العلماء فيه، تكشف أن الخمس المذكور في الحديث إنما هو خمس الغنيمة لا غير، كما بيّن ذلك المحدثون والفقهاء، وأن هذا الفهم هو الموافق لنص القرآن الكريم ولسياق الحديث وأسبابه.

نص الحديث:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

«قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الحَيَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ ﷺ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ...»

رواه البخاري ومسلم.

استدلال الحديث:

احتج بعض الباحثين المعاصرين ومنهم الشيخ جعفر السبحاني في كتابه الخمس في الكتاب والسنة (ص24)، بأن المقصود بالمغنم هنا ليس غنيمة الحرب، بل كل ما يفوز به الإنسان من ربحٍ أو كسبٍ دنيوي، لأن وفد عبد القيس كانوا لا يقدرون على الجهاد في غير الأشهر الحرم لخوفهم من كفار مضر، وبالتالي فليس المراد غنائم القتال.

مختارات من مقالات السقيفة

  - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟

- الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام

- إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)

- إلزام: لماذا الولاية ليست ضمن أركان الإسلام الخمس

- روايات الشيعة في تفسير "أولي الإربة" وتناقضها

 

غير أن هذا التأويل مردود من وجوه:

1)         أن النص صريح في قوله ﷺ: «وتعطوا الخمس من المغنم»، والمغنم في لغة القرآن والسنة لا يُطلق إلا على ما يُكتسب من القتال، كما في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ(سورة الأنفال: 41).

2)         أن النبي ﷺ علم من حالهم أنهم سيقاتلون كفار مضر، ولذلك أمرهم بأداء الخمس عند حصول الغنيمة، كما ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/133).

3)         أن الخمس هنا ليس عامًا في جميع الأموال، بل مقيد بحال الغنيمة دون غيرها، بخلاف الزكاة التي تجب في الأموال بشروطها المعروفة.

ألفاظ الحديث ومعانيه:

لفظ «المغنم» في اللغة مأخوذ من الغُنم، وهو الفَوْز بشيءٍ عن طريق القتال، ولا يطلق على مطلق الربح إلا مجازًا، ولا يُبنى الحكم الشرعي على المجاز مع وجود النص الصحيح.

كما أن النبي ﷺ فرّق بين الزكاة والخمس في الحديث، فلو كان الخمس واجبًا في الأموال مطلقًا لما كان ثمة فرق بينه وبين الزكاة، وهو ما يناقض نصوص الشريعة وإجماع المسلمين.

خلاصة الحديث:

حديث وفد عبد القيس ثابت في الصحيحين، لكنه لا يدل بحالٍ على وجوب الخمس في الأرباح والمكاسب، وإنما هو في خمس الغنائم الحربية فقط، كما نص على ذلك جمهور المفسرين والفقهاء، ومنهم ابن حجر والنووي والقرطبي وغيرهم.

أما ما ذهب إليه بعض المتأخرين من تعميم الخمس في كل ما يُغنم أو يُربح، فهو تأويل بعيد عن مقاصد النصوص الشرعية، ويُخالف فهم السلف والعلماء الراسخين.

المصادر:

صحيح البخاري (كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان).

صحيح مسلم (كتاب الإيمان، حديث وفد عبد القيس).

فتح الباري لابن حجر (1/133).

الخمس في الكتاب والسنة جعفر السبحاني (ص24).

تفسير القرطبي (سورة الأنفال: 41).