من المسائل التي أثير حولها كثير من الجدل عبر القرون، قضية الخُمس وما يتعلّق بها من النصوص والأحاديث التي يُستدلّ بها خطأً على توسيع نطاق هذا الحكم الشرعي. وقد حاول بعض أصحاب الأهواء تأويل بعض الروايات الضعيفة لتبرير مذهبهم في أخذ الخُمس من أموال الناس دون دليلٍ صحيحٍ من كتابٍ أو سنّة. ومن تلك الروايات المشتهرة بين الناس حديث: «في السيوب الخمس»، الذي ورد في بعض كتب الحديث بسندٍ ضعيفٍ لا تقوم به حجة.
ويتناول هذا المقال دراسة هذا الحديث من حيث السند والمتن، وبيان معنى "السيوب" في اللغة والشرع، مع التفريق بين الركاز الذي ثبت فيه الخمس نصًا، وبين المعادن التي لا خمس فيها، ردًّا على من زعم أن في هذا الحديث دليلًا على مشروعية أخذ الخمس من جميع الأموال.
كما يوضح المقال موقف العلماء من هذه الرواية، ومقاصد الشريعة في بيان موارد الخمس الشرعية، ليقف القارئ على الحقيقة العلمية بعيدًا عن التحريف العقدي والتأويل الباطل.
| 
			 روى الإمام الطبراني في المعجم الكبير (20/335) قال:  | 
		
حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا كثير بن عبيد الحذاء، ثنا بقية بن الوليد، عن عتبة بن أبي عتبة، عن سليمان بن عمرو، عن الضحاك بن النعمان بن سعد، أن مسروق بن وائل:
«قَدِمَ على رسول الله ﷺ بالمدينة بالعقيق فأسلم وحسن إسلامه، قال: يا رسول الله، إني أحب أن تبعث إلى قومي رجلًا يدعوهم إلى الإسلام، وأن تكتب لنا كتابًا إلى قومي، عسى الله أن يهديهم بها.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟ - الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام - إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)  | 
		
فقال معاوية: اكتب له:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إلى الأفناد من حضرموت، بإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، والصدقةِ على السعة، والتيمُّهِ في السيوبِ الخمس».
قال المحدّثون: هذا حديث ضعيف، لأن فيه بقية بن الوليد، وهو مدلِّس تدليس التسوية.
قال الألباني في معجم أسامي الرواة (1/308):
"كان لبقية أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، والمدلس لا يُقبل منه ما عنعن، وهذه الرواية معنعنة".
لذا فالإسناد لا يصحّ، ولا يُحتج به في باب الأحكام أو العقائد.
| 
			 التحقيق في معنى الحديث:  | 
		
يستدلّ بعض المنحرفين بهذا الحديث على أنَّ السيوب هي عروق من الذهب والفضة تُكوَّن في باطن الأرض أو تُستخرج من المعادن، ويزعمون أن فيها الخمس، فيحاولون بذلك إزالة الفارق بين الركاز الذي فيه الخمس شرعًا، وبين المعادن التي لا يجب فيها الخمس، ليُبرّروا أخذ الخمس من أموال الناس.
لكن هذا تأويل باطل، يخالف النصوص الصحيحة الصريحة، ويعارض ما عليه جمهور أهل العلم.
| 
			 الفرق بين الركاز والمعادن في الفقه الإسلامي:  | 
		
الركاز: هو المال المدفون في الأرض من أموال الجاهلية، فإذا وُجد أُخرج منه الخمس وصُرف في مصارفه الشرعية. قال النبي ﷺ: «وفي الركاز الخمس»
رواه البخاري (رقم 1499) ومسلم (رقم 1710).
المعادن: هي ما يُستخرج من الأرض من ذهبٍ أو فضةٍ أو غيرها من المعادن التي خلقها الله في باطنها، وهذه ليس فيها خمس، وإنما فيها زكاة عند تحقق النصاب والحول إن كانت ذهبًا أو فضة، ولا زكاة في غيرها إلا إن كانت عروض تجارة.
إذن فـ الخلط بين الركاز والمعادن لا أصل له في الشريعة، وهو ما أراد المبتدعة فعله حين احتجوا بحديث «في السيوب الخمس»، ليجعلوا منه ذريعة لفرض الخمس في كل الأموال، وهذا مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة والإجماع الفقهي.
| 
			 الرد على استدلال المبتدعة:  | 
		
1- الحديث ضعيف السند كما سبق بيانه، فلا تقوم به حجة في إثبات حكم شرعي.
2- السيوب ليست المعادن كما زعموا، وإنما تطلق على العيون الجارية أو موارد الماء، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (2/451):
3-      "السيوب: عروق في الأرض تسيل ماءً، أو موارد الماء."
وعليه فلفظ الحديث ـ لو صح ـ لا يدل على خمس المعادن، بل يحتمل معنى آخر كخمس الغنائم أو الصدقات في مواردها.
4- النبي ﷺ لم يفرض الخمس في المعادن مطلقًا، بل في الركاز فقط، كما جاء في النصوص المتفق عليها.
5- محاولة طمس الفرق بين الركاز والمعدن هي من وسائل التحريف التي تُستخدم لتبرير أخذ أموال الناس بغير حق، تحت ستار الخمس، مع أن الله تعالى قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7]
| 
			 خلاصة المقال:  | 
		
إن حديث «في السيوب الخمس» حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ومعناه لا يدل على وجوب الخمس في المعادن كما يزعم أصحاب الأهواء.
فالخمس إنما يكون في الركاز والغنائم والفيء، أما الأموال المكتسبة والمعادن فهي تخضع لأحكام الزكاة، لا الخمس.
وعليه فإن الاستدلال بهذا الحديث لتبرير أخذ الخمس من أموال المسلمين تحريف للنصوص الشرعية ومخالفة لإجماع العلماء.
| 
			 المصادر والمراجع:  | 
		
1- الطبراني، المعجم الكبير (20/335).
2- الألباني، معجم أسامي الرواة (1/308).
3- ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/451).
4- البخاري، صحيح البخاري (1499).
5- مسلم، صحيح مسلم (1710).