تُعَدّ مسألة الركاز من الموضوعات الفقهية الدقيقة التي اهتم بها المحدثون والفقهاء على حدٍّ سواء، لما فيها من أحكام تتعلق بالأموال المكتشفة في الأرض وما يجب فيها من حقوق شرعية. وقد وردت في هذا الباب عدة أحاديث، منها الصحيح المشهور: «وفي الركاز الخُمس»، وهو أصل الحكم المتفق عليه بين العلماء، ومنها روايات أخرى ضعيفة لم تثبت عن النبي ﷺ، من بينها حديث: «الركاز الذهب الذي ينبت في الأرض».
يستعرض هذا المقال نص الحديث وطرقه، وأقوال أهل العلم في درجته، مع بيان سبب تضعيفه، ووجه مخالفته للحديث الصحيح. كما يوضح الفرق بين مفهوم الركاز الشرعي الوارد في السنة، وبين ما ذهب إليه بعض الرواة من تفسيره بالنبات أو ما ينبت في الأرض، وهو معنى لا يستقيم لا لغةً ولا شرعًا.
| 
			 روى البيهقي في السنن الكبرى (4/152) بإسناده فقال:  | 
		
«أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنبأ أحمد بن عبيد الصفّار، ثنا علي بن الصقر، ثنا داود بن عمرو، ثنا حبان بن علي، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «الركاز الذهب الذي ينبت في الأرض».
وهذا الحديث ضعيف الإسناد، لما فيه من الرواة الضعفاء، ومن أبرزهم حبان بن علي، فقد قال عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/394):
«كان من أهل الفضل والعلم، إلا أنه ضعيف الحديث».
كما أن في السند عبد الله بن سعيد المقبري، وهو متروك الحديث، مما يزيد الرواية ضعفًا على ضعفها.
وروى الدارقطني هذا الحديث في العلل (10/123) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، إلا أنه أيضًا لم يثبت، بل حكم عليه الأئمة بالضعف. وقد ضعّفه العلامة الألباني في ضعيف الجامع الصغير (رقم 3164)، مؤكدًا أن الحديث لا يصح عن النبي ﷺ، وأنه مخالف لما ورد في الصحيح.
فالحديث الثابت عن النبي ﷺ في باب الركاز هو ما رواه الشيخان:
قال رسول الله ﷺ: «وفي الركاز الخُمس»
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب في الركاز الخمس، حديث رقم 1499، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، حديث رقم 1710).
| 
			 ومعنى الركاز في هذا الحديث الصحيح:  | 
		
المال المدفون في الأرض من دفائن الجاهلية، وليس ما "ينبت" فيها كما جاء في الرواية الضعيفة. فالركاز مأخوذ من الفعل ركَزَ، أي: دفن وأخفى، ومنه قوله تعالى:
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟ - الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام - إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)  | 
		
﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: 98]
أي: صوتًا خفيًّا.
فلا علاقة للركاز بالنبات أو النمو، وإنما هو دفين الأرض الذي يُستخرج منها، وقد أوجب فيه النبي ﷺ الخُمس، أي عشرين بالمئة، يُصرف في مصالح المسلمين.
| 
			 المصادر:  | 
		
1) البيهقي، السنن الكبرى (4/152).
2) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل (2/394).
3) الدارقطني، العلل (10/123).
4) الألباني، ضعيف الجامع الصغير (رقم 3164).
5) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب في الركاز الخمس، حديث رقم (1499).
6) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، حديث رقم (1710).
7) القرآن الكريم، سورة مريم، الآية (98).