من العبادات التي تتجلّى فيها الطهارة الحسيّة والمعنوية في الإسلام الوضوء، فهو مفتاح الصلاة وشرط قبولها، كما ورد في الحديث الشريف: «لا يُقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (رواه البخاري). 

وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من أحرص الناس على التمسّك بسنّة النبي ﷺ في أدقّ العبادات وأصغرها شأنًا، فكان رضوان الله عليه يُعلّم الناس صفة وضوء رسول الله ﷺ كما رآه بعينه، ليبقى هذا العمل النبوي محفوظًا على مرّ العصور.

وفي هذا المقال نعرض روايتين تبيّنان صفة وضوء علي عليه السلام كما نقلها عن النبي ﷺ، مع ضبط النصّ وتنظيمه وتوثيقه لغويًّا.

النصّ المرويّ:

عَنْ عُبَابَةَ أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ وَأَهْلِ مِصْرَ:

«ثُمَّ الوُضُوءُ فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ، اغْسِلْ كَفَّيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَمَضْمَضْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَاسْتَنْشِقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَاغْسِلْ وَجْهَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَدَكَ اليُمْنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى المِرْفَقِ، ثُمَّ يَدَكَ الشِّمَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى المِرْفَقِ، ثُمَّ امْسَحْ رَأْسَكَ، ثُمَّ اغْسِلْ رِجْلَكَ اليُمْنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اغْسِلْ رِجْلَكَ اليُسْرَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا كَانَ يَتَوَضَّأُ».

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الوُضُوءُ نِصْفُ الإِيمَانِ»[1] ..

وعَن عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ:

«جَلَسْتُ أَتَوَضَّأُ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حِينَ ابْتَدَأْتُ فِي الوُضُوءِ، فَقَالَ لِي: تَمَضْمَضْ وَاسْتَنْشِقْ وَأَسْنِنْ، ثُمَّ اغْسِلْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: قَدْ يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ المَرَّتَانِ، فَغَسَلْتُ ذِرَاعَيَّ وَمَسَحْتُ بِرَأْسِي مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: قَدْ يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ المَرَّةُ، وَغَسَلْتُ قَدَمَيَّ، فَقَالَ لِي: يَا عَلِيُّ خَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ، لَا تُخَلِّلْهَا بِالنَّارِ»[2].

شرح الروايتين:

هاتان الروايتان توضحان مدى التزام الإمام عليٍّ عليه السلام بهدي النبي ﷺ في الوضوء، وتفصيل ما رأى منه من هيئة الطهارة.

فقد بيَّن أن الوضوء من تمام الصلاة، أي لا تصحّ الصلاة بدونه، كما في قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: الآية 6]

ويدلّ تكرار الغسل ثلاثًا على الحرص على الإتقان والنظافة، مع التنبيه إلى أن المرة الواحدة تُجزئ في الوضوء، وهو ما دلّ عليه قول النبي ﷺ لعلي: «قد يُجزئك من ذلك المرة».

أما قوله: «يا علي خلل بين أصابعك لا تخلل بالنار»، فهو تحذير من التهاون في الطهارة، لأن ترك التخليل مظنّة لبقاء أثر يمنع تمام الطهارة، وكأنّه يُذكّر بعقوبة من يتهاون في ذلك.

المصادر:

1-    نهج البلاغة من كتاب الإمام علي عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر.

2-    سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها.

3-    مسند أحمد بن حنبل، باب ما جاء في وضوء النبي ﷺ.

4-    الدر المنثور للسيوطي، تفسير سورة المائدة آية (6).

 

___________________________________________________________

[1] مستدرك الوسائل، للميرزا النوري، 1/305، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي، 2/280، 313

[2] الاستبصار، للطوسي، 1/66، تهذيب الأحكام، للطوسي، 1/93