ما جاء في الدعاء وفضله، والتوسل بجميع انواعه المشروعة :
كالتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، و بالإيمان والأعمال الصالحة، و بتوحيده، وسائر ما يتعلق بهذه المسائل.
إنَّ الدعاءَ هو صِلةُ العبدِ بربِّه، ومظهرُ عبوديته وخضوعه لخالقه، واعترافُه بضعفهِ وافتقاره إلى اللهِ تعالى في كلّ شأنٍ من شؤون حياته.
وقد عُدّ الدعاء من أعظم العبادات التي يحبها اللهُ سبحانه، إذ يجمع بين الإيمان والتوكل واليقين بقدرة الله المطلقة. كما أن التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، أو بالإيمان والعمل الصالح، أو بتوحيده وعبادته الخالصة، من الوسائل المشروعة التي أمر بها الله تعالى في كتابه وبيّنها نبيه ﷺ في سنته.
وهذا المقال يبيّن فضل الدعاء ومكانته، وأنواعه المشروعة، ويُفرّق بين التوسل المشروع الذي يقرّب إلى الله تعالى، والتوسل المبتدع الذي لا أصل له في الكتاب والسنة، مع الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال السلف الصالح وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين.
◘ ورد في فصل الدعاء آيات وأحاديث كثيرة، منها أن عزوجل أثنى على أنبيائه به، فقال تعالى: ﴿..وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ [الأنبياء: 90]).
| 
			 الدعاء من سنن الأنبياء:  | 
		
◘ والدعاء من سنن الأنبياء والمرسلين والصالحين. قال تعالى: ﴿ أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57]،
◘ وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [السجدة: 16-17]).
◘ وكذلك شأن الأنبياء حيث قال عز من قائل: ﴿وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾ [الشورى: 5])،
◘ وقال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ [غافر: 7-9].
| 
			 الدعاء من أفضل العبادات:  | 
		
◘ لذا جعل الله عزوجل الدعاء من أفضل العبادات فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ﴾ [غافر: 60])
◘ فجعل الدعاء عبادة. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء.
قد اكد ذلك بقوله: الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [1].
◘ وكذلك جعل الله عزوجل الدعاء ديناً حيث قال: ﴿فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ﴾ [الأعراف: 29]).
وقد حث الله عزوجل على الدعاء في مواطن كثيرة من الكتاب الكريم:
◘ قال تعالى: ﴿وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء: 32])
◘ وقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60])
◘ وقال: ﴿فَـٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ﴾ [غافر: 14])
◘ وقال: ﴿ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 55-56]) وغيرها من آيات.
حتى جعل الإمتناع عن الدعاء سبباً لغضبه عزوجل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه.
وعن الباقر عليه السلام قال: وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده[2].
◘ وقد علل أهل الجنة نجاتهم من النار بقولهم كما جاء في محكم الكتاب الكريم: ﴿فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 27-28]).
◘ فلا غرابة إذن أن يأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يجالسَ ويلازمَ أهلَ الدعاء، وأن لا يعدُوَهم إلى غيرهم بالنظر فضلا عمَّا هو فوقه، قال الله تعالى: ﴿وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]).
◘ أو أن يسيء إليهم فقال: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]).
◘ ولعظمة أمر الدعاء ومنزلته جعل الله عزوجل نفسه قريباً من أهل الدعاء، حيث قال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186]).
◘ حتى جعله من صفات أهل الجنة فقال تعالى: ﴿دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾ [يونس: 10]).
| 
			 النهي عن دعاء غير الله:  | 
		
فالدعاء وذكر فضائله وفوائده أمر فيه طول، لا يسع هذا المختصر حصره.
◘ فإذا علمت هذا، فيقيناً أن من سلمت فطرته لا يدعو غير الله في قضاء الحاجات وتفريج الكربات. فقد قال تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 71].
◘ لذا جعل الله عزوجل دعاء غيره ظلم فقال: ﴿وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: 106]).
◘ وقال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: 5]).
◘ وجعله من الشرك فقال: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾ [النساء: 116].
◘ ثم نقل لنا مشهد من مشاهد يوم القيامة لهؤلاء حيث قال عز من قائل: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13-14]).
| 
			 موقف آل البيت رضي الله عنهم:  | 
		
وآل البيت رضي الله عنهم لم تفتهم هذه الحقائق ولا هذه الغايات، فكانوا القدوة من خلال أقوالهم وأفعالهم في نشر هذه التعاليم والمفاهيم، وإليك طرفاً مما جاء عنهم رضي الله عنهم أجمعين، وجميعها من طرق الإمامية كما ذكرنا، وبها تعلم أن كل ما جاء بخلاف ما سيأتي فهو مردود موضوع عليهم رضي الله عنهم.
| 
			 المصادر:  | 
		
1) القرآن الكريم.
2) صحيح الترمذي.
3) مسند الإمام أحمد.
4) تفسير الطبري.
5) تفسير ابن كثير.
6) الكافي للكليني (باب الدعاء).
7) نهج البلاغة.
[1] الدعوات، لقطب الدين الراوندي، 19، الكافي، للكليني، 2/467، 3/341، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 7/23، 34، مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 5/160، الخرائج والجرائح، لقطب الدين الراوندي، 3/1045، بحار الأنوار، للمجلسي، 89/164، 90/300، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي، 5/360، 15/187، موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، لهادي النجفي، 3/422، 7/43، تفسير جوامع الجامع، للطبرسي، 3/250، تفسير مجمع البيان، للطبرسي، 8/451
[2] الكافي، للكليني، 2/466، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 7/23، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي، 15/187، موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، لهادي النجفي، 7/43