يُعَدّ حديث غدير خم من الأحاديث التي كثر حولها الجدل بين الباحثين في التراث الإسلامي، لما يحمله من دلالات في مسألة الولاية ومكانة الإمام عليٍّ رضي الله عنه. وقد تناول بعض الكُتّاب الحديث بتوسّع، منهم التيجاني في كتابه "ثم اهتديت"، حيث زعم أن الصحابة بايعوا الإمام عليًّا رضي الله عنه في غدير خم بعد أن نصّبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للخلافة، وأن أبا بكر رضي الله عنه هنّأه على ذلك. غير أن التحقيق الحديثي والعلمي يُظهر ضعف هذا الادعاء، إذ لا توجد رواية صحيحة تثبت هذا المعنى بهذه الصيغة.
يهدف هذا المقال إلى دراسة هذه الدعوى من خلال تتبّع طرق الرواية، وبيان حال رواتها، وتحليل أقوال العلماء في أسانيدها ومتونها، مع الحفاظ على الأسلوب العلمي والموضوعي دون تجريح أو تعصّب.
|
نص الدعوى ومصدرها |
ذكر التيجاني في كتابه "ثم اهتديت" (ص 118) أن الصحابة حجّوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع، ثم بايعوا الإمام عليًّا رضي الله عنه في غدير خم بعدما نصبه النبي للخلافة، كما بايعه أبو بكر رضي الله عنه وهنّأه، وزعم أن هذا النص «مجمع عليه من السنة والشيعة».
إلا أن هذا الكلام "غير صحيح" من جهة السند والمتن، ولا يوجد في كتب الحديث الصحيحة ما يدل على وقوع بيعة لعليٍّ رضي الله عنه يوم غدير خم، بل لم يثبت بسندٍ صحيح أن أبا بكر رضي الله عنه هنّأه بمثل ذلك.
|
الرواية محل البحث: |
أخرج الإمام "أحمد بن حنبل" في "مسنده" (ج 4 / ص 281) روايةً فيها زيادة تفيد تهنئة أبي بكر لعليٍّ رضي الله عنه، جاء فيها:
◘ عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن عديّ بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفرٍ، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه». قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئًا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
|
مختارات من موقع السقيفة: |
|
موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس خطورة الرافضة على الإسلام وأهله أسماء أشخاص أو فرق حذر الذهبي من مصنفاتهم |
هذه الزيادة التي تفيد التهنئة "تفرد بها عليّ بن زيد بن جدعان"، دون غيره من الرواة الذين رووا حديث الغدير عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
|
حال الراوي علي بن زيد بن جدعان |
اتفق أئمة الجرح والتعديل على تضعيف "عليّ بن زيد بن جدعان"، وبيان سوء حفظه واضطرابه في الرواية. وفيما يلي أقوال بعضهم:
◘ قال "حماد بن زيد": "كان يقلب الأسانيد".
◘ وقال "ابن خزيمة": "لا أحتجّ به لسوء حفظه".
◘ وقال "ابن عيينة": "ضعيف".
◘ وقال "يحيى بن معين": "ليس بشيء".
◘ وقال "يحيى القطان": "يُتَّقى حديثه".
◘ وقال "الإمام أحمد بن حنبل": "ضعيف الحديث".
وبهذا أجمع النقاد على أن روايته لا تُقبل في الأحاديث التي يتفرّد بها، خصوصًا إذا كانت في مسائل العقيدة أو ما يُتعلّق بالإمامة والخلافة.
|
الرواية الأخرى ونزول الآية: |
وردت رواية أخرى عن "أبي سعيد الخدري" رضي الله عنه، مفادها أن الآية الكريمة:
◘ ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ "(سورة المائدة، الآية 67)"
قد نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم حين قال: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه».
◘ ورُوي أيضًا عن "أبي هريرة" رضي الله عنه ما يشير إلى أن الآية نزلت في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة أثناء رجوع النبي من حجة الوداع.
غير أن "ابن كثير" رحمه الله في "تفسيره" (ج 2 / ص 15) قال:
◘ «وهذا لا يصحّ، بل الصواب أنها أُنزِلت في المدينة».
أي أن نزول الآية لم يكن في غدير خم كما يُروى في بعض الأخبار الضعيفة، بل في سياقٍ آخر مرتبط بإبلاغ الدعوة في المدينة المنورة.
|
الخلاصة: |
لا توجد رواية صحيحة بسندٍ متصل تثبت أن الصحابة بايعوا الإمام عليًّا رضي الله عنه في غدير خم.
1) الزيادة التي تتضمن تهنئة أبي بكر أو غيره من الصحابة "ضعيفة" لتفرّد علي بن زيد بن جدعان بها، وهو راوٍ متكلم فيه.
2) 3الحديث الصحيح في غدير خم يثبت "فضل عليٍّ ووجوب محبته" لا "نصًّا على خلافته".
3) القول بأن الآية نزلت في غدير خم "غير صحيح"، بل الصحيح أنها نزلت في المدينة كما رجّح ابن كثير وغيره.
4) على الباحث أن يفرّق بين "الفضائل الثابتة" لأهل البيت، وبين "الزيادات الموضوعة" التي لا تصحّ من جهة السند.
|
المصادر |
◘ " مسند أحمد بن حنبل (4/281).
◘ " تفسير ابن كثير (2/15).
◘ " ميزان الاعتدال للذهبي (3/127).
◘ " تهذيب التهذيب لابن حجر (7/322).
◘ " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (11/269).
◘ " ثم اهتديت، التيجاني السماوي (ص 118).