يُعدّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم للإمام علي رضي الله عنه: «ما يبكيك يا علي؟ فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك» من الأحاديث التي تناولها المحدّثون بالنقد والدراسة، نظرًا لما ورد في أسانيده من اختلافٍ بين الرواة، ولِما فيه من معانٍ قد تُفهم خطأ إن أُخذت دون تحليلٍ علمي دقيق.

وقد تباينت مواقف العلماء من هذا الحديث بين مصحّحٍ ومضعّف، وكان المحدث الحاكم النيسابوري من الذين حكموا بصحته، بينما خالفه الذهبي وعدّه من الأحاديث التي لا تصح، مشيرًا إلى عللٍ واضحة في الإسناد.

يناقش هذا المقال متن الحديث وسنده، مع بيان أقوال العلماء فيه، وإيضاح المعنى الصحيح لعبارة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في ضوء النصوص الصحيحة الأخرى، بعيدًا عن المبالغات المذهبية أو التأويلات التي تخرج عن مقاصد النص النبوي الشريف.

نص الحديث ومصدره

روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/367) بإسناده عن علي رضي الله عنه قال:

حدثني الحسن بن محمد بن إسحاق الأسفرايني ثنا عمير بن مرداس حدثنا عبد الله بن بكير الغنوي حدثنا حكيم بن جبير عن الحسن بن سعد مولى علي عن علي رضي الله عنه.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يغزو غزاة، فدعا جعفرًا فأمره أن يتخلف على المدينة، فقال: لا أتخلف بعدك يا رسول الله أبدًا، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزم عليّ لما تخلفت قبل أن أتكلم، قال: فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا علي؟ قلت: يا رسول الله، يبكيني خصال غير واحدة، تقول قريش غدًا: ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله، ويبكيني خصلة أخرى، كنت أريد أن أتعرض للجهاد في سبيل الله، لأن الله يقول: ﴿ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفار... فكنت أريد أن أتعرض لفضل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما قولك تقول قريش: ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله، فإن لك بي أسوة، قد قالوا: ساحر وكاهن وكذاب، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي؟ وأما قولك أتعرض لفضل الله، فهذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتى يأتيكم الله من فضله، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

لكن الذهبي عقب عليه بقوله: «أنى له الصحة والوضع لائح عليه، وفي إسناده عبد الله بن بكير الغنوي منكر الحديث عن حكيم بن جبير وهو ضعيف يترفض».

دراسة الإسناد:

سند الحديث يتضمن عدة رواة فيهم كلام عند أئمة الجرح والتعديل، وأبرزهم:

عبد الله بن بكير الغنوي: قال فيه ابن حبان: «منكر الحديث جدًا». وقال الذهبي: «واهٍ متروك».

حكيم بن جبير: ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم، وقال النسائي: «ليس بالقوي»، ووصفه بعضهم بالتشيع الشديد.

الحسن بن سعد مولى علي: لم يوثقه أحد من الأئمة، وذكره ابن أبي حاتم دون جرح ولا تعديل.

وبناءً على هذه العلل، فإن الحديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة، كما أن في متنه نكارة ظاهرة لورود ألفاظ لم تُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ذكر أبهار من فلفل، وهو تعبير غير مألوف في الروايات الصحيحة.

موقف العلماء من الحديث:

الحاكم النيسابوري: صحّح الإسناد على عادته في التساهل أحيانًا في التصحيح.

الذهبي: ضعّفه وعدّ فيه دلائل الوضع، وقال: «الوضع لائح عليه».

الهيثمي في مجمع الزوائد  :(9/120) أشار إلى ضعف الحديث بسبب حكيم بن جبير.

الألباني: حكم عليه بالضعف في سلسلة الأحاديث الضعيفة (حديث رقم 4922).

ويُستفاد من مجموع أقوال المحدثين أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصحيح هو أنه استخلف عليًّا على المدينة في غزوة تبوك كما في حديث سعد بن أبي وقاص الصحيح في صحيح البخاري وصحيح مسلم:

«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي».

الخلاصة:

الحديث الوارد بلفظ «ما يبكيك يا علي فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك» ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

علل الإسناد واضحة، وفيه رواة متروكون وضعفاء.

المتن يتضمن عبارات منكرة لم ترد في الأحاديث الصحيحة.

المعنى العام للعبارة إن صح لا يخرج عن بيان فضل علي رضي الله عنه وأمانته في حفظ المدينة.

الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، وهذا كافٍ في الدلالة على مكانة علي دون الحاجة إلى الروايات الضعيفة