يتناقل بعض الكُتّاب حديثًا يُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غدير خم: "«هنيئًا لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن»"، ويجعلون هذا النص دليلًا على إقرار الصحابة بإمامة علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا المقال يعرض نص الحديث ومصدره، ويدرس سنده دراسة حديثية دقيقة، ثم يوضح المعنى الصحيح للفظ "«المولى»" في الحديث إن صحّ، مع عرض أقوال أهل العلم والرد على ما استُدل به في هذا الباب.
| 
			 نص الحديث ومصدره  | 
		
أورد "ابن عساكر" في "تاريخ دمشق" (42/221) بإسناده:
◘ «حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى المقرئ، نا أبو بكر بن مالك، نا ابن صالح الهاشمي، نا هدبة بن خالد، حدثني حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، وأبي هارون العبدي، عن البراء بن عازب قال:
◘ كنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، فكسح لرسول الله ﷺ تحت شجرتين، ونودي في الناس أن الصلاة جامعة، فدعا عليًّا، فأقامه عن يمينه، وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى.
| 
			 مختارات من موقع السقيفة:  | 
		
| 
			 موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس خطورة الرافضة على الإسلام وأهله أسماء أشخاص أو فرق حذر الذهبي من مصنفاتهم  | 
		
◘ قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى.
◘ فقال: هذا ولي وأنا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
◘ فقال له عمر: هنيئًا لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن».
| 
			 دراسة السند:  | 
		
هذا الإسناد "ضعيف" لا يصح، لأجل راويين فيه:
1) "علي بن زيد بن جدعان" – ضعيف الحديث، قال فيه:
◘ (النسائي): ليس بالقوي.
◘ (الدارقطني): ضعيف.
◘ (ابن معين): ليس بشيء.
◘ (أحمد بن حنبل): ضعيف الحديث.
2) "أبو هارون العبدي" – واسمه عمارة بن جوين، قال فيه:
◘ (البخاري): متروك.
◘ (النسائي): متروك الحديث.
◘ (ابن حبان): يروي الموضوعات عن الثقات.
لذلك حكم العلماء على الحديث بالضعف. قال "الذهبي" في "تلخيص المستدرك" (2/367):
◘ "«أنى له الصحة والوضع لائح عليه، وفي إسناده عبد الله بن بكير الغنوي منكر الحديث عن حكيم بن جبير وهو ضعيف يترفض»."
| 
			 المعنى الصحيح للفظ "مولى"  | 
		
لو فرضنا – جدلًا – أن الحديث صحيح، فإن لفظ "«المولى»" لا يدل على الإمامة، وإنما على "المحبة والنصرة"، وهو ما ورد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة:
• ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ﴾ "(محمد: 11)"
• ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ "(التحريم: 4)"
• فالمولى هنا هو الناصر والمحب، وليس الإمام المتصرف في الأمة، ولم يُستعمل لفظ "مولى" في القرآن بمعنى "خليفة" أو "إمام" قط.
• ولهذا قال العلماء إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من قوله "«من كنت مولاه فعلي مولاه»" أي: من كنت ناصره ومحبَّه فعليٌّ ناصره ومحبّه.
| 
			 رد أهل السنة على الاستدلال بالحديث:  | 
		
♦ هذا الحديث باطل وموضوع وقد أقر بهذا القول عدد من الأئمة سبق ذكرهم في دراسة الإسناد.
♦ لو افترضنا صحة الحديث، فلا حجة فيه على إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد النبي ﷺ، لأن:
1) "المولى لا تعني الخليفة" كما تقدم.
2) لو كانت الإمامة نصًا من الله ورسوله لعلي، لما ترك الصحابة أمرًا كهذا دون بيعة له.
3) "عليٌّ رضي الله عنه بايع أبا بكر" طوعًا، وصلى خلفه، وأثنى عليه، فقال كما في "صحيح البخاري):
◘ «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر».
وهذا إقرار صريح بإمامة أبي بكر.
◘ ثم إن هذا الحديث لو دلّ على الخلافة لكان لازمًا أن يُكفّر كل من لم يبايع عليًّا، وهذا ما لا يقول به أحد من الصحابة، ولا حتى عليٌّ نفسه رضي الله عنه.
| 
			 مناقشة عقلية  | 
		
إن من اللازم على من يستدل بهذا الحديث أن يلتزم بنتائجه، إذ لو كان معنى "«مولى»" = "«خليفة»"، لزم أن يكون النبي ﷺ قد أعلن عن خليفة صريح، فكيف يسكت الصحابة جميعًا عن هذا النص الواضح، ويبايعون غيره؟
هذا ما لا يمكن قبوله عقلًا ولا نقلًا، وهو مخالف لما عُرف عن الصحابة من شدة حرصهم على طاعة الله ورسوله.
| 
			 الخلاصة  | 
		
1) "حديث "هنيئًا لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن" ضعيف الإسناد" بسبب علي بن زيد بن جدعان وأبي هارون العبدي.
2) لفظ "«مولى»" لا يدل على الإمامة، بل على المحبة والنصرة.
3) النبي ﷺ استخدم اللفظ نفسه في غيره من الصحابة دون دلالة على خلافة.
4) عليٌّ رضي الله عنه بايع أبا بكر، وأقر بخيريته، مما ينفي أي شبهة معارضة.
5) الاستدلال بالحديث على النص بالخلافة لا يصح لغةً ولا شرعًا ولا تاريخًا.