من الأحاديث التي يُكثر بعض الباحثين من الاستشهاد بها لإثبات دعوى الوصاية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث المروي بلفظ: «وصيي علي بن أبي طالب».

وقد رُوي هذا الخبر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، إلا أن أئمة الحديث والمحققين أجمعوا على أنه حديث مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا المقال يسلّط الضوء على أصل الرواية، وسندها، وحكم العلماء عليها، مع مناقشة المسألة من منظور السند والقرآن والسنة والعقل وأقوال أهل العلم، ليُبيّن الحقيقة العلمية حول هذا النص المنسوب زورًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

نص الحديث ومصدره

جاء في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي (1/328):

حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا علي بن هاشم، عن إسماعيل، عن جرير بن شراحيل، عن قيس بن ميناء، عن سلمان قال: قال النبي ﷺ: «وصيي علي بن أبي طالب».

قال السيوطي معلقًا:

«قال العقيلي: قيس لا يُتابع عليه، وكان له مذهب سوء.

وقال: وإسماعيل هو ابن زياد، قال في الميزان: هذا كذاب».

وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (5/6): «فيه قيس بن ميناء، والحديث كذب».

دراسة السند والحكم عليه

هذا الحديث موضوع مكذوب بالإجماع، وذلك لأسباب متعددة:

1-    إسماعيل بن زياد

قال فيه الذهبي في الميزان: «كذاب».

وقال ابن حجر في اللسان: «كذاب يضع الحديث» وهو المتهم الأساسي بالوضع في هذا الإسناد.

2-    قيس بن ميناء

قال العقيلي: «لا يُتابع عليه، وكان له مذهب سوء». وهو ضعيف متهم بالرأي الفاسد.

3-    عبد العزيز بن الخطاب وإبراهيم بن محمد مجهولان لا يُعرف حالهما.

وعليه، فالحديث باطل من جميع طرقه، لا يُعرف له سند صحيح، ولا شاهد معتبر.

مناقشة الحديث من جهة القرآن والسنة والعقل:

1-       من جهة القرآن الكريم

القرآن الكريم لم يذكر وصيًا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55]

وهذه الآية تتحدث عن الولاية الدينية العامة، لا الوصية بالخلافة.

كما قال تعالى في وصف خاتمة النبوة: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40]

فلا يوجد في القرآن أي نص على وصي أو خليفة بعد النبي ﷺ.

2-       من جهة السنة الصحيحة

لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب السنة المعتمدة (البخاري، مسلم، السنن الأربعة، مسند أحمد) أي حديث فيه لفظ «وصيي» لعلي أو لغيره.
بل جاءت النصوص الصحيحة تدل على أن النبي لم يستخلف أحدًا تصريحًا، وإنما أوصى بالتمسك بالوحيين:

«تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي» (حديث حسن، رواه مالك في الموطأ، والحاكم في المستدرك)

ولو كان هناك وصي معين، لما اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة للتشاور في الخلافة، ولما بايع علي رضي الله عنه أبا بكر بعد ذلك طائعًا.

3-    من جهة العقل والنظر

العقل لا يقبل أن يُهمل النبي صلى الله عليه وسلم أمته في أمر خطير كهذا ثم يُخفيه عن جلّ أصحابه ويبلّغه سرًا لسلمان أو غيره دون تواتر أو إعلان.
فلو كانت هناك وصية صريحة بالخلافة، لنُقلت بالتواتر كما نُقل القرآن والصلاة، ولما اختلف المسلمون فيها.

4-    من جهة أقوال أهل العلم

السيوطي: «موضوع، فيه كذاب»

ابن حجر: «الحديث كذب»

الذهبي: «باطل لا أصل له»

العقيلي: «قيس لا يُتابع عليه، وله مذهب سوء»

ابن الجوزي: «من جملة الأحاديث الموضوعة التي لا تحل روايتها إلا للتحذير»

وقد أجمع المحدثون على أن هذا اللفظ لا أصل له في شيء من كتب السنة الصحيحة أو الضعيفة المقبولة.