يُعَدّ التدقيق في الأحاديث النبوية من أهمّ أبواب العلم الشرعي، إذ إنّ السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، ولا يصحّ قبول رواية إلا بعد التثبّت من سندها ومتنها وفق ضوابط علم الحديث. ومن الروايات التي أثير حولها جدل كبير ما نُسب إلى النبي ﷺ من قوله: «إنّ ربّ العزّة يُقرئك السلام ويقول: لما أخذ الله ميثاق النبيين أخذ ميثاقك في صُلب آدم، فجعلك سيّد الأنبياء، وجعل وصيّك سيّد الأوصياء عليّ بن أبي طالب». وقد استُعملت هذه الرواية في بعض المصادر لتأكيد منزلة خاصة لعليّ رضي الله عنه، إلا أنّ أهل الحديث والجرح والتعديل أجمعوا على أنّها رواية موضوعة لا أصل لها، كما صرّح كبار النقاد من أمثال الدارقطني، وابن حجر، والذهبي، والشوكاني وغيرهم.
هذه الدراسة تستعرض نصّ الحديث، وتناقش إسناده، وتبيّن علله، ثم تعرض الردّ السني العلمي عليه وفق منهج المحدثين، دون تعصّب أو تحامل، التزامًا بالمنهج العلمي الموضوعي في نقد الأخبار.
نص الحديث: روى الصفّار كما نُقل عن بصائر الدرجات قوله: |
عن أيّوب بن زُهير، عن عبد الله بن عبد الملك، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «بينما رسول الله ﷺ جالس ذات يوم إذ هبط جبرائيل الروح الأمين، فقال: يا محمد، إنّ ربّ العزّة يُقرئك السلام، ويقول: لما أخذ الله ميثاق النبيين أخذ ميثاقك في صُلب آدم، فجعلك سيّد الأنبياء، وجعل وصيّك سيّد الأوصياء عليّ بن أبي طالب».
نقد السند والحكم على الحديث: |
قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/480):
«أورده الدارقطني في الغرائب عن أبي طالب أحمد بن نصر، عن موسى بن عيسى بن يزيد، عنه عن عبد الله بن عبد الملك، وقال: هذا حديث موضوع، ومن بين مالك وأبي طالب ضعفاء. وقد رواه أبو سعد بن السمعاني في خطبة الأنساب من هذا الطريق، لكن قال: عن أيّوب بن زُهير، عن يحيى بن مالك بن أنس، عن أبيه، فكان الواضع له أيّوب المذكور، فكان يخبط في إسناده».
|
مختارات من موقع السقيفة: |
|
موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس خطورة الرافضة على الإسلام وأهله أسماء أشخاص أو فرق حذر الذهبي من مصنفاتهم |
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (8/61):
«أيّوب بن زهير وضّاع، وضع حديث وصيّك سيد الأوصياء».
وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (1/383):
«حديث وصيّك سيد الأوصياء عليّ بن أبي طالب موضوع لا أصل له».
وبهذا يتبيّن أنّ علّة الحديث في راويه أيّوب بن زُهير، الذي وُصف بالوضع والكذب، وأنّ جميع النقاد اتفقوا على أنّ الإسناد ساقط، والمتن منكر، ولا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ.
الردّ السني على الرواية: الردّ على هذا الحديث من وجهين:
من جهة السند: |
جميع من روى هذا الحديث مجروح، وفيه من لا يُعرف، ومنهم أيّوب بن زُهير، وهو متّهم بالوضع، كما أن روايته عن مالك بن أنس بهذا الإسناد منقطعة لا تصحّ، إذ لم يُعرف لمالك رواية في هذا المعنى مطلقًا.
من جهة المتن: |
المتن منكر من عدّة وجوه:
أولًا: لا يُعرف في أيٍّ من كتب السنة الصحيحة ولا حتى الضعيفة ذكر أن لعليٍّ رضي الله عنه وصف "سيد الأوصياء" في حديث مرفوع ثابت.
ثانيًا: يخالف الحديث النصوص القطعية التي تبيّن أنّ النبي ﷺ لم يُوصِ إلى أحدٍ بالخلافة نصًّا، وإنما ترك الأمر شورى بين المسلمين كما قال عمر رضي الله عنه: «إنّ النبي ﷺ لم يُسمّ لنا خليفة».
ثالثًا: لو كان هذا النصّ صحيحًا، لنُقل بالتواتر ولما خفي على الصحابة، وقد كانوا أحرص الناس على تنفيذ وصايا النبي ﷺ.
رابعًا: إنّ الأوصياء بهذا اللفظ ليسوا مصطلحًا شرعيًا واردًا في نصوص الوحي، بل هو اصطلاح حادث استعمله بعض الفرق لتثبيت أفكار خاصة لا دليل عليها من الكتاب أو السنة.
منهج أهل السنة في التعامل مع هذه الروايات: |
يرى علماء الحديث أنّ المعيار في قبول الرواية هو ثبوتها بسندٍ صحيحٍ متّصلٍ برجالٍ عدولٍ ضابطين، خالٍ من الشذوذ والعلة. وبما أنّ هذا الحديث لم تتوفر فيه هذه الشروط، فإنه يُعدّ من الموضوعات. وقد أُدرج ضمن الأحاديث الموضوعة التي لا يجوز روايتها إلا للتحذير منها، عملاً بحديث النبي ﷺ:
«من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوأ مقعده من النار» (رواه البخاري ومسلم).
خاتمة: |
إنّ حديث «وصيك سيد الأوصياء عليّ بن أبي طالب» لا يصحّ عن النبي ﷺ بحالٍ من الأحوال، وقد أجمع المحدثون على بطلانه. وهو مثال على الأحاديث التي اختلقها بعض الغالين في محبة آل البيت، ظنًّا منهم أنهم بذلك يرفعون شأنهم، لكن الحقيقة أنّ الكذب على رسول الله ﷺ جريمة كبرى لا تُقبل في نصرة أحدٍ كائنًا من كان. ومحبة عليٍّ رضي الله عنه وأهل بيته ثابتة بنصوص صحيحة لا تحتاج إلى أخبارٍ موضوعة أو مكذوبة.
المصادر: |
◘ لسان الميزان لابن حجر (1/480).
◘ ميزان الاعتدال للذهبي (8/61).
◘ الفوائد المجموعة للشوكاني (1/383).
◘ الغرائب والأفراد للدارقطني.
◘ خطبة كتاب الأنساب لابن السمعاني.