من الأحاديث التي يُستدل بها بعض كُتّاب من معممي الشيعة على فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، فأنت أخي ووارثي».

ويستند البعض إلى هذه الرواية لإثبات أن عليًا رضي الله عنه هو الوارث الشرعي للنبي، أو أن له منزلة الخلافة من بعده.

وفي هذا المقال نعرض نص الحديث كما ورد في المصادر، ونفحص إسناده، ونبين علله، ثم نوضح المعنى الصحيح لعبارة النبي صلى الله عليه وسلم، ونورد ردود أهل العلم من أهل السنة في هذا الباب.

نص الحديث ومصدره:

روى "الطبراني" في المعجم الكبير (5/220)، و"ابن عساكر" في تاريخ دمشق، من طريق:

«حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا نصر بن علي، ثنا عبد المؤمن بن عباد بن عمرو العبدي، ثنا يزيد بن معن، حدثني عبد الله بن شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفى،

أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال للنبي ﷺ: لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخطٍ عليَّ فلك العتبى والكرامة،

فقال رسول الله ﷺ: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، فأنت أخي ووارثي.

قال علي: وما أرث منك يا نبي الله؟ قال: ما ورثه الأنبياء قبلي.

قال: وما هو؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي».

رد أهل السنة حديث باطل لإنه من حيث:

دراسة السند والحكم عليه:

هذا الحديث "باطل لا يصح" عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكلم العلماء في سنده، وبيّنوا علله:

1)  "عبد المؤمن بن عباد العبدي" قال فيه:

    "البخاري" في التاريخ الكبير (6/118): «لا يُتابع عليه».

    "ابن حجر" في لسان الميزان (4/76): «لا يُتابع على حديث».

     فهو راوٍ ضعيف لا يُحتج به.

2)  "رجل من قريش" لم يُسمَّ، فهو "مجهول العين"، وجهالة الراوي توجب ضعف السند.

   ولا يُشترط أن يكون هذا الرجل صحابيًا، لأن زيد بن أَوْفى أدرك كثيرًا من التابعين، فالمجهول هنا ليس بالضرورة صحابيًا.

3)  كما أن "عبد الله بن شرحبيل" و"يزيد بن معن" لم يوثَّقا توثيقًا كافيًا في كتب الجرح والتعديل.

ولهذا قال "ابن عدي" في الكامل في الضعفاء (3/207 و5/346):

«هذا الحديث لا يُعرف إلا بهذا الإسناد، وفيه نكارة».

فالحكم النهائي: "الحديث ضعيف جدًا أو باطل لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:

«إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة» (رواه البخاري ومسلم)

فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن ميراثه هو "كتاب الله وسنته"، وهو ما ورد في نص الحديث نفسه: «ما ورثه الأنبياء قبلي، قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم».

وبذلك يكون الحديث إن صح معناه "حجة على من يستدل به على الإمامة"، لا لهم، لأنه يأمر بالتمسك بالوحيين لا بالعترة أو بالخلافة الخاصة.

الرد على الاستدلال بالحديث:

1)  "الرواية باطلة" من جهة السند، لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2)  "الوراثة المذكورة" في الحديث هي وراثة العلم والدين، لا وراثة الحكم.

3)  "منزلة هارون من موسى" في الحديث لا تدل على الخلافة بعد الوفاة، لأن هارون توفي قبل موسى، وإنما تدل على المعاونة في الحياة، كما بيّنه العلماء في حديث المنزلة الصحيح المتفق عليه.

4)  وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لأبي بكر رضي الله عنه:

   «أنت أخي في دين الله» (رواه البخاري رقم 5081)

وهذا يدل على أن الأخوة الدينية ليست خاصة بعلي رضي الله عنه.

أقوال أهل العلم في تضعيف الحديث:

"ابن عدي": «فيه نكارة، ولا يُتابع عليه عبد المؤمن بن عباد».

"البخاري": «لا يتابع عليه».

"ابن حجر": «لا يُتابع على حديث».

 "الهيثمي" في مجمع الزوائد (9/112): «فيه عبد المؤمن بن عباد وهو ضعيف».

فهذه أقوال متضافرة على ضعف السند وبطلان الاستدلال به.

خلاصة المقال

الحديث الوارد بلفظ «والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي...» لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده مليء بالعلل، منها ضعف عبد المؤمن بن عباد، وجهالة رجل من قريش، ونكارة المتن.

ومعناه إن سلمنا به من حيث الفضل لا يدل على الإمامة، بل يؤكد أن وراثة الأنبياء هي "العلم والكتاب والسنة"، لا الخلافة أو الحكم.

وهو في جوهره شاهد على مكانة علي رضي الله عنه بين الصحابة، لا على وجود نص في ولايته.