من أخطر ما واجه التراث الإسلامي عبر العصور، تسلّل الأحاديث الموضوعة التي نُسبت زورًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لخدمة أغراض فكرية أو مذهبية. ومن بين تلك الروايات المنتشرة بين الفرق الضالة حديث: «من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليًا من بعدي...»، وهو حديث يستشهد به بعض الغلاة لترويج مزاعم الإمامة والولاية الخاصة بعلي رضي الله عنه، رغم اتفاق أهل العلم على بطلانه ونكارته. وقد قام المحدثون بنقد سنده ومتنه نقدًا علميًا دقيقًا، فظهر أنه من صنع أيدي الوضّاعين، لا يمت إلى الصحيح أو الحسن بصلة، بل لا يليق بمقام النبي الكريم في عباراته ولا في معناه. هذا المقال يسلّط الضوء على أصل الحديث، وطرقه، وأقوال العلماء فيه، ويوضح كيف استُغل من قبل الفرق المنحرفة لترويج باطلهم باسم محبة آل البيت، وهي منهم براء.

نص الرواية:

حدثنا محمد بن المظفر ثنا محمد بن جعفر بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم ثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى أخو محمد بن عمران ثنا يعقوب بن موسى الهاشمي عن ابن أبي رواد عن اسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فانهم عترتي خلقوا من طينتي رزقوا فهما وعلما وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي للقاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي».

موضوع.

أخرجه أبو نعيم (1/86). وإسناده مظلم، فإن من هم دون ابن أبي رواد مجهولون، لم أجد من ذكرهم، غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو ابن مسلم الأنصاري الأطرابلسي المعروف بابن أبي الحناجر.

 قال ابن أبي خاتم (1/1/73) «كتبنا عنه وهو صدوق». وله ترجمة في تاريخ دمشق لابن عساكر2/ق 113-114).

وأما سائرهم فلم أعرفهم فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، وفضل على أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات التي يتشبث الشيعة بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها، مجادلين بها في إثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهي فضيلة علي رضي الله عنه.

ثم الحديث عزاه في (الجامع الكبير2/253/1) للرافعي أيضا عن ابن عباس.

ثم رأيت ابن عساكر أخرجه في (تاريخ دمشق12/120/2) من طريق أبي نعيم ثم قال عقبه «هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجهولين».

قلت: وكيف لا يكون منكرا وفيه مثل ذاك الدعاء (لا أنالهم الله شفاعتي) الذي لا يعهد مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يناسب مع خلقه صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأمته (أنظر كتاب بل ضللت ص166).

وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها صاحب (المراجعات) عبد الحسين الموسوي نقلا عن كنز العمال (6/155 و 217-218) موهما أنه في مسند الإمام أحمد معرضا عن تضعيف صاحب الكنز إياه تبعا للسيوطي»

(التخريجات الألبانية1/5963).

وكم في هذا الكتاب (المراجعات) من أحاديث موضوعات، يحاول الشيعي أن يوهم القراء صحتها وهو في ذلك لا يكاد يراعي قواعد علم الحديث حتى التي هي على مذهبهم! إذ ليست الغاية عنده التثبت مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في فضل علي، بل حشر كل ما روي فيه! وعلي رضي الله عنه كغيره من الخلفاء الراشدين والصحابة الكاملين أسمى مقاما من أن يمدحوا بما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولو أن السنة والشيعة اتفقوا على وضع القواعد في (مصطلح الحديث) يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات ثم اعتمدوا جميعا على ما صح منها: لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم في أمهات المسائل المختلف فيها بينهم. أما والخلاف لا يزال قائما في القواعد والأصول على أشده فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم، بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة.