تُعَدّ دراسة الأحاديث النبوية وتمييز صحيحها من سقيمها من أهم أبواب العلم الشرعي، إذ بها تُصان السنة النبوية من التحريف والدسّ. وقد انتشرت عبر التاريخ روايات كثيرة استغلّتها بعض الفرق الضالّة لتدعيم معتقدات باطلة لا أصل لها في الدين، ومن تلك الروايات حديث: «أوصي من آمن بي وصدقني بولاية عليّ»، وهو حديث رواه ابن عساكر وغيره بألفاظ متقاربة، زاعمين أنه دليل على النصّ الإلهي في ولاية عليّ رضي الله عنه. غير أن أهل الحديث المحققين بيّنوا بطلانه ووهاء سنده، واتضح أنه من الأحاديث التي تفرّد بها رواة ضعفاء ومجاهيل، وغلب عليها طابع الوضع والتشيّع المفرط. يهدف هذا المقال إلى عرض أسانيد الحديث، وبيان علله، وتوضيح موقف المحدثين منه، مع كشف كيف حاول بعض المتعصبين توظيفه في غير موضعه لإثبات ما لا دليل عليه.
| 
			 نصّ الحديث وتخريجه:  | 
		
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/120/1) من طريق الطبراني، قال:
«حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا أحمد بن طارق الوابِشي، حدّثنا عمرو بن ثابت، عن محمد بن أبي عُبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه أبي عبيدة، عن محمد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه مرفوعًا».
| 
			 ثم روى من طريق آخر عن عبد الوهاب بن الضحاك، قال:  | 
		
«حدّثنا ابن عيّاش، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي عبيدة به».
ومن طريق ابن لهيعة: «حدّثني محمد بن عبيد الله به».
ثم أخرجه من طريقين آخرين عن أبي رافع به، ولفظ الترجمة لهذه الطرق.
وأما لفظ الطبراني فهو: «ومن آمن بي وصدقني فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله».
| 
			 دراسة الإسناد والحكم عليه:  | 
		
قال الألباني في السلسلة الضعيفة: «ضعيف جدًّا».
ومدار الإسنادين على محمد بن عمّار بن ياسر، وهو مجهول، أورده ابن أبي حاتم (4/1/43) من رواية ابنه أبي عبيدة عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وأما ابن حبّان فذكره في الثقات على قاعدته في توثيق المجهولين، ولذلك لم يُعتدّ بتوثيقه الحافظ ابن حجر فقال في التقريب: «مقبول»، أي عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث كما نصّ في المقدّمة.
وحفيده محمد بن أبي عبيدة لم أجد له ترجمة، ومحمد بن أبي شيبة فيه ضعف.
فهذا الإسناد ضعيف جدًّا.
ومدار الإسناد الآخر على محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وهو ضعيف جدًّا، ومن شيعة الكوفة، فهو آفة الحديث، وهو نفسه صاحب حديث «إذا طَنَّت أذن أحدكم...» الموضوع، الذي حسّنه تلميذ الكوثري لجهله بعلم الحديث وتراجم الرجال، كما بيّنه الألباني (رقم 2631).
وأما عبد الوهاب بن الضحاك، فقال أبو حاتم: «كذّاب»، لكن لم يتفرّد به كما يتبيّن من التخريج السابق، فآفة الإسنادين عمرو بن ثابت وابن أبي رافع، لأن مدارهما عليهما مع شدّة ضعفهما وتشيّعهما.
ومع ذلك، فقد استروح إلى حديثهما هذا ابن مذهبهما عبد الحسين الموسوي — المتعصّب لتشيّعه — في كتابه المراجعات (ص 27)، فساقه في سياق المسلّمات، بل نصّ في مقدّمة كتابه (ص 5) بما يوهم أنّه لا يورد فيه إلا ما صحّ، فقال: «وعُنيتُ بالسنن الصحيحة»!
| 
			 خلاصة القول:  | 
		
الحديث بطرقه جميعها لا يصحّ، بل هو ضعيف جدًّا، منكر المتن، موضوع المعنى، ومداره على رواة ضعفاء أو مجاهيل أو متّهمين بالتشيّع والغلوّ، فلا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ. كما أنّ معناه يُخالف ما ثبت من النصوص الصحيحة في باب الموالاة، التي تقوم على المحبة في الله دون غلوّ أو تأليه.