يُعَدّ علم الحديث من أعظم العلوم التي حَفِظت السنّة النبويّة من التحريف والدسّ، إذ تصدّى العلماء عبر القرون لكل رواية تُنسب إلى النبي ﷺ، فمحّصوا أسانيدها، ووازنوا بين متونها، وميّزوا صحيحها من سقيمها. ومن الأحاديث التي نالت شهرة بين الفرق الضالّة حديث: «من تولّى عليًّا فقد تولّاني، ومن تولّاني فقد تولّى الله عزّ وجلّ»، وهو حديث استُعمل لتأييد دعاوى الولاية والإمامة الخاصة بعليّ رضي الله عنه.

 غير أنّ المحدثين المحققين بيّنوا أنّ هذا الحديث ضعيف جدًّا، مملوء بالعلل في سنده، لا يثبت عن النبي ﷺ، وإن كانت محبّة عليّ وموالاته من محبّة رسول الله ﷺ حقًّا لا شك فيه. والمقال التالي يقدّم دراسة دقيقة لهذا الحديث من جهة السند والمتن، مع عرض أقوال كبار العلماء في الحكم عليه.

مختارات من موقع السقيفة:

نصّ الحديث وتخريجه:

روى ابن عساكر من طريق أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن، قال:
«أخبرنا يعقوب بن يوسف بن زياد الضبّي، أخبرنا أحمد بن حمّاد الهمذاني، أخبرنا مختار التمّار، عن أبي حيّان التيمي، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب مرفوعًا بلفظ: «من تولّى عليًّا فقد تولّاني، ومن تولّاني فقد تولّى الله عزّ وجلّ».

رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/241).

دراسة الإسناد:

هذا الإسناد ضعيف جدًّا، مسلسل بالعلل، وشرّها مختار هذا — وهو ابن نافع التيمي التمّار الكوفي.

 قال البخاري: «منكر الحديث»، وكذلك قال النسائي وأبو حاتم.

وقال ابن حبّان: «كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يَسبِق إلى القلب أنّه المتعمّد لذلك».

وأمّا أحمد بن حمّاد الهمذاني، فقال الذهبي: «ضعّفه الدارقطني وقال: لا أعرفه»، وكذا ورد في لسان الميزان.

وأمّا يعقوب بن يوسف، فالظاهر أنّ الدارقطني ضعّفه أيضًا.

وقال الحافظ العراقي: «أخرجه الحاكم من حديث حذيفة، والطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر، وكلاهما ضعيف» (تخريج أحاديث الإحياء 2/180).

خلاصة الحكم:

الحديث بطرقه جميعها ضعيف جدًّا، لا يثبت عن النبي ﷺ، لأنّ في أسانيده رواة متروكين ومجاهيل، وأكثر طرقه تدور على مختار التمّار الذي تفرد بمناكير منكرة. ومع ذلك، فإنّ المعنى العام — وهو محبّة عليّ وموالاته رضي الله عنه — ثابت بأحاديث صحيحة أخرى، دون الحاجة إلى الاستدلال بالأحاديث الباطلة التي تُستغلّ لترويج معتقدات باطلة.