من أعجب ما تراه في عقائد فرقة الشيعة الغالية، هو غلوّهم المفرط في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى رفعوه فوق مقام الأنبياء، وأسبغوا عليه صفات لا تليق إلا بالله عز وجل.
يزعمون أن هذا الغلوّ مبرر وله أسبابه الشرعية والعقلية، ويستدلّون بأحاديث موضوعة وروايات مكذوبة لا تصحّ بحال.

غير أنَّ النظر الدقيق في كتبهم يبيّن أن هذا الغلوّ لم يكن نابعًا من محبّة شرعية أو أدلة صحيحة، بل من عقائد مبتدعة وأساطير موضوعة، جعلت من عليّ شخصية فوق البشر، حتى عبدوه من دون الله في بعض فرقهم، والعياذ بالله.

الشبهة

يزعم الشيعة أن غلوَّهم في عليّ بن أبي طالب مبرر، وأنهم لم يرفعوه فوق منزلته الحقيقية، وإنما أحبوه وفضّلوه بما يستحق.

ويقولون إن لعليّ فضائلَ خاصةً، كونه ابن عمّ رسول الله ﷺ، وزوج ابنته، والإمام المعصوم المفترض الطاعة بعد النبي، وأنّ تقديمه على غيره ثابت بالنقل والعقل.

ويرون أنّ من يتهمهم بالغلوّ يفتري عليهم، إذ لا يرفعونه فوق ما هو أهلٌ له من المكانة.

الردّ على الشبهة

أولًا: ثبوت الغلوّ من كتب الشيعة أنفسهم

إن غلوَّ الشيعة في عليّ ثابت ومدلل عليه من نصوصهم المعتمدة، حتى إنّ بعضه يُخرجهم عن الإسلام بالكلية، لما فيه من إشراكٍ بالله تعالى أو تأليهٍ لعليّ رضي الله عنه.

وفيما يلي نماذج من ذلك الغلوّ كما ورد في كتبهم المعتمدة:

1-       زعمهم أن الله كلم نبيه بصوت عليّ ليلة المعراج ذكر الحِلِّي في كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (ص 229):

«سُئل رسول الله ﷺ عن اللغة التي كلمه بها ربه ليلة المعراج، فقال: خاطبني بلغة عليّ بن أبي طالب، فألهمني أن قلت: يا رب، أأنت كلّمتني أم عليّ؟».

وهذا النص صريح في نسبة صفة من صفات الله (الكلام) لعليّ، وهو كفرٌ صريح.

2-       زعمهم أن عليًّا قسيم الجنة والنار جاء في كشف اليقين (ص 8) وبصائر الدرجات (ص 325):

أن من أطاع عليًّا وعصى الله دخل الجنة، ومن عصاه وأطاع الله دخل النار!

وهذا غلوّ ظاهر يخالف قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48].

3-       زعمهم أن عليًّا كان مبعوثًا مع كل نبي باطنًا في الأسرار العلوية للمسعودي (ص 97):

«إن عليًّا بعث مع كل نبي باطنًا، ومع محمد ﷺ ظاهرًا».

وهذا كذب بيّن يناقض صريح القرآن في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾ [النحل: 36].

4-       زعمهم أن الرعد والبرق من أمر عليّ قال المفيد في الاختصاص (ص 327):

«إن الرعد صوت عليّ، والبرق سوطه». تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

5-       زعمهم أن عليًّا يحيي الموتى ويفرّج الكروب في عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب (ص 150):

«إن عليًّا يحيي الموتى بإذن الله». وهذه عقيدة شركية لا يقرّها مسلم.

ثانيًا: تحليل الأسباب المزعومة للغلوّ

يزعم الشيعة أن غلوَّهم في عليّ له أسباب شرعية وعقلية، ولكن بالنظر فيها يتبيّن أنها أسباب واهية، منها:

أسباب باطلة وخرافية:

 كما مرّ معنا، فهي مبنية على روايات موضوعة وأساطير مكذوبة لا تثبت بحال.

أسباب لا يسلّم لهم بها:

كقولهم إنّ عليًّا ابن عمّ رسول الله ﷺ وزوج ابنته، وهذا فضلٌ لا ينكر، ولكن مثله أو أعظم منه للعباس عمّ النبي، وابنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي تزوّج بابنتي النبي ﷺ، فهل يبرّر هذا الغلوّ فيه؟

أسباب أسيء فهمها:

مثل الأحاديث الصحيحة في فضل عليّ، فهي لا تبرّر رفعه فوق الصحابة ولا تأليهه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (5/6-7):

«الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي، والأحاديث التي ذكرها الحلي أكثرها كذب وضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث، والصحيح منها ليس فيه ما يدل على إمامة عليّ ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر».

أسباب دافعها الهوى والبدعة:

أصل الغلوّ عندهم ناشئ من بدعة الإمامة والوصاية، التي جعلوها أصل دينهم، فكفّروا الصحابة جميعًا بزعم اغتصابهم حقّ عليّ في الخلافة، وأوجبوا طاعة الأئمة كما تجب طاعة الله ورسوله.
وهذا القول باطل، إذ لم يأتِ في القرآن ولا في السنة ذكرٌ لعصمة الأئمة ولا لإمامتهم بنصٍّ من الله.

قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3]، ولم يذكر فيه إمامة ولا وصاية.

النتيجة

إن غلوَّ الشيعة في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه غلوّ باطل لا يقرّه الله ولا رسوله ولا العقل السليم.

وكل ما ذكروه من مبررات إنما هو أوهام وأباطيل مبنية على روايات مكذوبة وأهواء منحرفة.
وعليّ رضي الله عنه بريء من هذه المبالغات كما تبرأ المسيح عليه السلام ممن غلا فيه وقال:

﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: 117].

فالواجب اتباعه بما أثبته له النبي ﷺ، دون غلوّ ولا جفاء، كما قال ﷺ:

«لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» (رواه البخاري).

المصادر

1-       الحلي، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، ص229، ص8.

2-       الصفار، بصائر الدرجات، ص91، ص325.

3-       المسعودي، الأسرار العلوية، ص97.

4-       المفيد، الاختصاص، ص327.

5-       حسين بن عبد الوهاب، عيون المعجزات، ص150.

6-       ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج5، ص6–7.

7-       القرآن الكريم، سور: النساء، النحل، المائدة.