من المسائل التي أثير حولها الجدل بين طلاب العلم والمبتدعة مسألة صلاة الضحى، خاصة ما يُروى عن بعض الصحابة كابن عمر وعلي رضي الله عنهما، من قولهم إنها بدعة أو محدثة. وقد استغل بعضهم هذه الآثار للطعن في السنة أو لإثبات أن في الدين ما يسمى بـ"البدعة الحسنة"، محتجين بعبارات منسوبة إلى الصحابة مثل قول ابن عمر: "بدعة ونعمت البدعة". وفي هذا المقال نعرض الروايات الصحيحة في الباب، ونبين المراد من أقوال الصحابة، ونكشف وجه الخلل في استدلال المبتدعة، مع توضيح ما قاله أئمة الحديث والشرح في توجيه تلك النصوص.
الشبهة:
استدل بعض المبتدعة بقول ابن عمر: "صلاة الضحى بدعة ونعمت البدعة"، وبقول علي رضي الله عنه: "صلوا ما استطعتم فإن الله لا يعذب على الصلاة"، وقالوا إن هذا دليل على وجود البدعة الحسنة في الدين، لأن الصحابة مدحوا عملاً لم يكن على عهد النبي ﷺ.
الرد على الشبهة:
أولًا: الروايات التي ورد فيها هذا اللفظ ليست كلها صحيحة.
الرواية التي فيها:
«صلاة الضحى بدعة ونعمت البدعة» رواها علي بن الجعد (4/437) عن شريك بن عبد الله القاضي، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر.
وشريك سيء الحفظ، مدلس، وقد اختلط في آخر عمره. قال ابن حجر في التقريب (2787): «صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة».
ولهذا فالرواية ضعيفة لا يحتج بها، لأنها من أفراد شريك، وأحاديثه المنفردة منكرة كما نص الحافظ الذهبي في الميزان (2/290).
ثانيًا: أما الرواية الصحيحة، فهي ما رواه مسلم عن مجاهد قال:
«دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى في المسجد، فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة» (صحيح مسلم).
وقد حمل العلماء هذا القول على أن المقصود إظهار صلاة الضحى في المسجد والاجتماع لها علنًا، لا أن أصلها بدعة، بدليل أن النبي ﷺ قد صلى الضحى وحث عليها.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
"المراد بقوله بدعة أي إظهارها في المسجد والاجتماع عليها، فإن النبي ﷺ لم يكن يصليها جماعة، ولا يداوم على فعلها في المسجد، بل صلاها في بيته أحيانًا، وتركها أحيانًا خشية أن تفرض."
وقال: "أو يُحمل قوله بدعة على المواظبة عليها، لأن النبي ﷺ لم يداوم عليها، وأما نحن فقد ثبت استحباب المحافظة عليها بحديث أبي ذر وأبي الدرداء رضي الله عنهما."
ثالثًا: أما أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند عبد الرزاق (4865):
«أن عليًا كان يذكر له هذه الصلاة التي أحدث الناس، فيقول: صلوا ما استطعتم فإن الله لا يعذب على الصلاة»، فهو صحيح موقوف، ويفيد أن عليًا رضي الله عنه لم ينكر الصلاة نفسها، بل أنكر تسميتها "محدثة" على وجه الذم، وأمر الناس بالمداومة على الخير، إذ لا عذاب على الإكثار من الصلاة.
رابعًا: النبي ﷺ نفسه حث على صلاة الضحى كما في الصحيحين، وقد ثبت أنه صلاها أحيانًا.
قالت عائشة رضي الله عنها:
«ما سبح رسول الله ﷺ سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها» (البخاري).
ومعنى "ما سبح" أي: ما داوم عليها.
أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
«أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» (متفق عليه)،
فيدل على أن النبي ﷺ أوصى بعض الصحابة بها.
فكيف تكون بدعة وقد أوصى بها النبي ﷺ بنفسه؟
خامسًا: إذن فقول ابن عمر "بدعة" مقيد بظاهرها في المسجد، أو المواظبة الجماعية عليها، لا أصلها المشروع. وأما قول بعض الرواة "ونعمت البدعة" فهو ضعيف، فلا يصح الاستدلال به.
النتيجة:
صلاة الضحى سنة ثابتة صحيحة، فعلها النبي ﷺ وحث عليها، وهي من النوافل المشروعة.
ولا يصح أن يُستدل بأقوال الصحابة على إثبات "بدعة حسنة"، لأن المقصود بالبدعة في أقوالهم البدعة اللغوية لا الشرعية، كما قال عمر في التراويح: «نعمت البدعة هذه»، أي أنها في الصورة جديدة، لكنها من أصل مشروع.
أما البدعة الشرعية فهي ما أُحدث في الدين مما لم يشرعه الله ولا رسوله ﷺ، وهي مردودة لقوله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (رواه البخاري ومسلم).
المصادر:
1- صحيح مسلم (رقم 718).
2- صحيح البخاري (كتاب الصلاة، باب صلاة الضحى).
3- مسند علي بن الجعد (4/437).
4- مصنف عبد الرزاق (4865).
5- شرح النووي على مسلم (5/236).
6- تقريب التهذيب لابن حجر (رقم 2787).
7- ميزان الاعتدال للذهبي (2/290).