من أكثر ما يثير الدهشة في كتب فرقة الشيعة الإمامية تلك الروايات التي تنسب إلى أئمتهم أفعالًا لا تليق حتى بعامة الناس، فضلًا عن من يزعمون له العصمة والطهارة المطلقة! ومن ذلك الرواية المشهورة في مصادرهم، والتي تصوّر الإمام المعصوم ـ بزعمهم ـ وهو يتنازع مع غلامه على لقمة سقطت في القذر (النجاسة)، فيغسلها ليأكلها بعد خروجه من الخلاء!
هذه الرواية العجيبة، التي وردت في "من لا يحضره الفقيه" و"عيون أخبار الرضا" و"وسائل الشيعة"، تعد من النصوص التي تهدم دعوى العصمة من أصلها، إذ تصور الإمام في مشهد لا يليق بمقام الأنبياء ولا حتى بالعلماء والصالحين.

وفي هذا المقال نعرض نص الرواية كما ورد في مصادرهم، ثم نبيّن وجه الشبهة فيها، والرد عليها، ووجه التناقض بينها وبين ما يزعمونه من طهارة أئمتهم وعصمتهم.

نص الرواية

روى محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) قال:

«دخل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) الخلاء، فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها، وغسلها، ودفعها إلى مملوك معه، فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت.

فلما خرج (عليه السلام) قال للمملوك: أين اللقمة؟ فقال: أكلتها يا ابن رسول الله.

فقال (عليه السلام): إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب فأنت حر، فإني أكره أن أستخدم رجلًا من أهل الجنة».

المصدر: الفقيه 1: 18 | 49.

وفي رواية أخرى:

«أن الحسين بن علي (عليه السلام) دخل المستراح، فوجد لقمة ملقاة، فدفعها إلى غلام له، وقال: يا غلام، أذكرني بهذه اللقمة إذا خرجت.

فأكلها الغلام، فلما خرج الحسين (عليه السلام) قال: يا غلام، اللقمة؟

قال: أكلتها يا مولاي.

قال: أنت حر لوجه الله، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من وجد لقمة ملقاة، فمسح منها أو غسل منها ثم أكلها، لم تستقر في جوفه إلا أعتقه الله من النار، ولم أكن لأستعبد رجلًا أعتقه الله من النار».

المصدر: عيون أخبار الرضا 2: 43 | 154، وصحيفة الرضا ص 177.

الشبهة

يستند الشيعة إلى مثل هذه الروايات لإظهار ما يزعمونه من "تواضع" الأئمة وحرصهم على النعمة، وأنهم لا يتركون حتى لقمة الخبز احترامًا لفضل الله.

لكنّ هذه الرواية ـ لو تأملها أي منصف ـ تُظهر الإمام في صورةٍ لا تليق بعاقلٍ فضلاً عن "معصوم"، إذ يدخل الخلاء (موضع النجاسة) فيلتقط لقمة خبز ملوثة بالقذر، ثم يغسلها ليأكلها!
فهل من المعقول أن يليق هذا بالفعل بمن يزعمون له العصمة والطهارة التامة؟

بل كيف يجتمع هذا الفعل مع ما يزعمونه من علم الإمام بالغيب ومعرفته بما في الجنة والنار؟

الردّ على الشبهة وبيان التناقض

هذه الرواية فضيحة لا فضيلة:

ظاهر الرواية يدل على تناقض صارخ مع مفهوم العصمة؛ إذ المعصوم لا يمكن أن يقدم على التقاط طعام ملوث بالقذر، ولا أن يفكر بأكله بعد خروجه من الخلاء، فإن ذلك منافٍ للنظافة والطهارة التي يوجبها الشرع والعقل.

الفقهاء الشيعة أنفسهم تنبّهوا إلى اضطرابها:

قال الهامش في نسخة "من لا يحضره الفقيه":

«فيه جواز أكل اللقمة المطروحة وهي لقطة، وفيه استحباب عتق المملوك الصالح، وكراهة استخدامه، وقد قيل: إن تأخير أكل اللقمة مع ترتب هذا الثواب الجزيل يدل على كراهة الأكل في الخلاء، وفيه نظر».

وهذه العبارة الأخيرة (وفيه نظر) تدل على توقفهم في تصحيح مضمونها لشدة غرابتها.

من جهة المتن:

الرواية تتضمن ما لا يُقبل عقلًا ولا عادةً؛ فكيف يعلم الإمام أن هذه اللقمة "لا تستقر في جوف أحد إلا وجبت له الجنة"؟

وأي دليل شرعي أو نص نبوي يثبت أن أكل لقمة كانت في القذر يُدخل الجنة؟!
بل النص القرآني الصريح ينهى عن أكل الخبائث، قال تعالى:

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: 157].

فكيف يبيح الإمام ما حرّمه الله؟!

تناقضها مع دعوى الطهارة والعصمة:

يدّعي الشيعة أن الإمام معصوم من كل دنس وخطأ، لكن هذه الرواية تصور الإمام وهو يتعامل مع القذر مباشرة! وهذا يهدم أساس العقيدة الإمامية في عصمة الأئمة، إذ كيف يُعصم من الذنب ولا يُعصم من مباشرة النجاسات وأكلها؟!

رواياتهم نفسها تهدم عقيدتهم:

هذه القصة ليست استثناء، بل نمط متكرر في رواياتهم التي تنسب للأئمة ما لا يليق بهم من أفعال وأقوال، ثم يزعمون العصمة لهم، فكانت تلك الروايات من أقوى الأدلة على بطلان دعواهم من داخل كتبهم أنفسها.

النتيجة:

إن رواية "اللقمة في القذر" ليست سوى نموذج من نماذج التناقض في كتب فرقة الشيعة، فهي تصور الإمام المعصوم وهو يتنازع على لقمة ملوثة في الخلاء!

فهل هذه هي العصمة التي يدّعونها؟

بل هي دليل بيّن على أن كتبهم امتلأت بما لا يقبله عقل ولا شرع، وأن دعاواهم في العصمة والطهارة المطلقة مجرد أوهام باطلة لا تصمد أمام النصوص التي يروونها هم بأسانيدهم.

المصادر

1)     محمد بن علي بن الحسين (الصدوق)، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص18، رقم (49).

2)     الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص43، رقم (154).

3)     الطبرسي، صحيفة الرضا (عليه السلام)، ص177.

4)     الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص361–380، باب (39): أن من دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر استحب له غسلها وأكلها بعد الخروج.